أخر الاخبار

سوسيولوجيا التربية وسؤال النوع الاجتماعي: من التفاوت الاجتماعي إلى التفاوت بين الجنسين pdf

سوسيولوجيا التربية وسؤال النوع الاجتماعي: من التفاوت الاجتماعي إلى التفاوت بين الجنسين pdf
سوسيولوجيا التربية

سوسيولوجيا التربية وسؤال النوع الاجتماعي: من التفاوت الاجتماعي إلى التفاوت بين الجنسين 

مقدمة

لا يمكن فهم تطور سوسيولوجيا التربية وتطور موضوعات بحثها، ومرجعياتها النظرية ومناهجها، إلا في ارتباطها بالتحولات التي تمس النظام التعليمي والتغيرات التي تهم النقاش العمومي حول المدرسة، في سياق مجتمع بعينه. 

ففي إطار سوسيولوجيا التربية، في صيغتها الفرنسية على الأقل التي تركز عليها أكثر في هذه المساهمة، تميزت ستينيات القرن العشرين بهيمنة سؤال الديمقراطية وتكافؤ الفرص في نظام تعليمي انتقائي، مدرسيًا واجتماعيا ، بينما شهدت التسعينيات بداية الانتباه لمسألة التفاوت بين الجنسين عقب تعميم الاختلاط المدرسي، واستدراك الفتيات لتأخرهن الدراسي، بل تفوقهن على مستوى النتائج وعدد سنوات التمدرس، مقابل توجههن نحو تخصصات ومسارات مهنية أقل أهمية وقيمة من تلك التي يتوجه إليها أقرانهن الذكور.

تحاول هذه الدراسة إذا استعراض الحيثيات التي أفضت إلى اهتمام سوسيولوجيا التربية الفرنسية بموضوع التربية والنوع»، وتطمح إلى رصد طبيعة التحول الذي طرأ على هذه السوسيولوجيا، في سعيها لربط النتائج المدرسية بالسياق الاجتماعي، من التركيز الحصري على التفاوت الاجتماعي إلى مراعاة الاختلافات بين الجنسين ). 

كما تروم فهم دلالات هذا التحول وأبعاده، وأهم الإسهامات التي تمخضت عنه.

التربية ومسألة التفاوت

 ركزت سوسيولوجيا التربية الفرنسية منذ الستينيات على المدرسة وبنيتها، وعلى تدفقات ولوج التلاميذ وتخرجهم. فكانت الإشكالية الأساسية المطروحة هي التفاوت الاجتماعي في علاقته بالنجاح المدرسي وانصب النقاش الأساسي على دور المدرسة عاملاً للحراك الاجتماعي أو لإعادة الإنتاج. ووفق هذا المنظور، لم يؤخذ التفاوت بين الجنسين في الحسبان؛ فقد ظلت الأعمال التي تشير عرضا إلى تعليم الفتيات قليلة ). ولم تنل مسألة التفاوت بين الجنسين حظها من الاهتمام إلا في وقت متأخر، خصوصا في السوسيولوجيا الفرنسية، مقارنة مثلاً بنظيرتها الأنكلوسكسونية التي اهتمت بموضوع التربية والنوع الاجتماعي، مبكرا نسبيا؛ إذ تعود الأعمال الأولى حول هذا الموضوع إلى الستينيات، كما أشرنا آنفا.

لاحظ عدد من الباحثين في معرض تناولهم الظاهرة التربوية في السياق الفرنسي، الاختلافات بين الجنسين والفروق في النجاح والمسارات الدراسية. لكن إلى حدود التسعينيات كان السعي قليلاً لتحليل ذلك وتفسيره، كما لو أن الأمر لا يتعلق بمشكل يستحق التفكير والمعالجة العلمية، وأن تصورات الحس المشترك تكفي لتفسير هذا التفاوت بين الجنسين).

والواقع أن الحديث عن تلك الاختلافات بين الجنسين، بل عن التفاوت القائم بينهما في مجال التربية لم يكن غائباً تماما، بل كان حاضرا، لكن حضوره كان شكليًا فقط. فلا يحضر بصفته إشكالية علمية، وإنما غالبا بصفته معيارا حسابيًا كميا. وكما تؤكد الباحثة ماري دورو بيلا تأخذ الاختلافات بين الجنسين مكانة مهمة في الإنتاج الضخم من الإحصائيات المتداولة والأبحاث من كل صنف، سواء تعلق الأمر بإحصائيات الوفيات، أو تحليلات السلوك الانتخابي أو الدراسات حول الاستهلاك، لكن من النادر أن يتم النظر إليها في العلاقة بـ متغير الجنس. وبطبيعة الحال لا يخرج مجال التربية عن هذه القاعدة؛ إذ تقدم الاختلافات بين الجنسين في الولوج والنجاح، وفي المسار والتوجيه الدراسيين وكأنها وقائع بديهية، شفافة، وقابلة للإدراك مباشرة، فينظر إلى الجنس بصفته معطى كميا وحسابيا أكثر منه مصدر تغيرات تستوجب إثارة تساؤلات دقيقة وعميقة علميا، وتتطلب تحليلاً وتأويلاً، والواقع أنه مع التسعينيات، بدأت سوسيولوجيا التربية تقطع مع بداهات الحس المشترك، في نظرتها إلى التفاوت بين الجنسين ).

ويمكن القول إن الانتباه إلى هذه الظاهرة جاء ثمرة تعميم الاختلاط المدرسي Mixite في السبعينيات، عندما بدأ يشمل مبدأ المساواة متغير الجنس في مجال التربية، ولو في وقت متأخر نسبيا؛ ما سمح بتعليم الفتيات والفتيان تعليما جماعيا ومختلطاً، وأتاح من ثم المقارنة المباشرة بين نتائجهما. فقد لوحظ أن بعد استدراك الفتيات تأخرهن الدراسي سيحققن تفوقا في النتائج وعدد سنوات التمدرس؛ ما سيدفع بعض الباحثين إلى إعادة النظر في مفهوم إعادة إنتاج التفاوت بواسطة
المدرسة .
فبعد أن بدأت نتائج الفتيات حائزات البكالوريا الثانوية العامة تتفوق على نتائج نظرائهن الذكور، بدأ الباحثون الفرنسيون المختصون في حقل سوسيولوجيا التربية ينتبهون لما سماه الباحثان کریستیان بودلو وروجيه استابليه واقعة اجتماعية أساسية، متمثلة بالدينامية التاريخية للتفوق الدراسي للفتيات...


♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -