📁 آخر الأخبار

النظام الحزبي ماهيته وطبيعته بالمغرب

النظام الحزبي ماهيته وطبيعته بالمغرب

النظام الحزبي ماهيته وطبيعته بالمغرب

احمد بلا؛  طالب باحث في العلوم السياسية والتواصل السياسي. جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء 
  ظل الاختلاف  كبيرا بين علماء السياسة حول ماهية الأحزاب السياسية وكيفية عملها الا انه هناك توافق حول ارتباط الأحزاب بالديمقراطية، بدءا من كتاب "American Commonwealth" عام 1888 لجيمس برايس الذي اكد خلاله علي ربط الأحزاب بالديمقراطية والحريات والحكومات التمثيلية، واستمر ربط الأحزاب بالديمقراطية خلال اسهامات عدد من المفكرين مثل تشنايدر برايس، جيوفاني سارتوري، كلينتون روزيتر، الذي اكد على ذلك عند كتابته عن أمريكا فقال: "ليس هناك أمريكا دون ديمقراطية، ولا ديمقراطية دون سياسة، ولا سياسة دون أحزاب"، ومن ثم تم استخدام الأحزاب والقدرة علي تطوير منظماتها الحزبية لقياس مدى التقدم المتفاوت بين البلدان نحو الديمقراطية والتحول من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، ومن ثم كان هناك توافق حول الدور الذي ينبغي ان يلعبه الحزب في الديمقراطية.
    ان الدور الهام للأحزاب يعود الى انها تحقق مشاركة المواطنين في الحكم بشكل يسمح لأعداد كبيرة من الناخبين المشاركة في الانتخابات وبالتالي جعلهم قوة كبرى مؤثرة بدلا من كونهم مفككين، وتوفير قنوات الاتصال بينهم وبين مستويات الحكومة، كذلك تلعب الأحزاب دور هام في تشجيع المشاركة في الأنشطة السياسية ومحاسبة السياسيين عن افعالهم ومناقشة القضايا الهامة المطروحة.

اولا: النظام الحزبي

 تنعكس طبيعة النظام السياسي على النظام الحزبي الموجود فيه، كما أن طبيعة النظام الحزبي في المجتمع تترك اثرا واضحا على طبيعة النظام السياسي، فقد غير نمو تطور الأحزاب من بنية الانظمة السياسية واثر على طبيعتها القانونية والسياسية[1].
  يتألف النظام الحزبي من التفاعلات المنظمة بين الأحزاب المتنافسة، وقد دخل مفهوم "النظام الحزبيحيز الاستخدام قبل ان يصاغ المفهوم ذاته (أي استخدم كمضمون قبل تسمية المصطلحواحدى اولى الاستخدامات المنهاجية للمفهوم كان على يد دوفيرجيه Duverger  (1954في كتابه الأحزاب السياسية Political Parties، حيث طرح؛ انه باستثناء دول الحزب الواحد، وبتعايش عدة أحزاب في دولة واحدة، فإن اشكال وانماط تفاعلهم هو المحدد لشكل النظام الحزبي في هذه الدولة، وبالإضافة إلي سمات هذه الأحزاب فإن هذا النظام الحزبي يشمل عدد من السمات مثلاعداد الاحزاب، احجامها، تحالفاتها، التواجد الجغرافي، التوزيع السياسي وهكذا، فإن النظام الحزبي يعرف على انه العلاقة بين كل تلك السمات السابقة[2]
   لقد طرح سارتوري[3]ان الأحزاب صُنعت لتُكون "نظاموذلك عندما تَكون أجزاء فيه، والنظام الحزبي بشكل ادق هو "نظام التفاعلاتالناجمة عن التنافس الحزبي، هذا يعني ان النظام يعتمد على علاقة الأحزاب ببعضهم البعض، وكيف ان لكل حزب وظيفة او مهمة تجاه الأحزاب الأخرى سواء بالتفاعل او التنافس او غيرها من الأدوار، وعلى هذا النحو فإن النظام الحزبي مختلف عن شكل الأحزاب المُشكله له.
 لقد اصر سارتوري على السمات المنهاجية لا يمكنه فقط من التمييز بين أنظمة حزب الدولة المحتكر من جانب حزب واحد وبين النظم الحزبية التي يسودها التنافس علي الحكم، ولكنه يوفر اساساً لدراسة اهم سماتهم، فهناك تفاعل بين الأحزاب سواء خلال فترة الانتخابات (تنافسهم للحصول على الأصوات ومنها الوصول للحكماو خلال فترة ما بعد الانتخابات (اثناء تشكيل الحكومة والمعارضة وقدرتها علي التعاون) الأغلبية البرلمانية.
     ان النظم الحزبية لديها عدد من السمات التي تشكلت من خلال التنافس الانتخابي وما بعده وخلال علاقة الأحزاب ببعضهم البعض، وهذه السمات تشملعدد الأحزاب المشاركة في الانتخابات والفائزة بالمقاعد التشريعية، حجمهم وقوتهم النسبية، عدد الابعاد المتنافسة حولها، ومدى انقسامهم حول القضايا الرئيسية، ومدى رغبتهم في العمل معا في تشكيل الحكومة، درجة انفتاح مجال المنافسة للوصول للحكم، فهل هي منفتحة لكل الأحزاب ام مغلقة علي أحزاب معينة؟ او علي تحالفات حزبية معينة؟ إلي جانب درجة ان النظام الحزبي نفسه مؤسسي او راسخ، ويمكن ان تختلف الأنظمة الحزبية بناء علي أياً من هذه الأبعاد، ولذلك فإن دارسي الأحزاب السياسية يسعوا إلي تبسيط هذه النظم من خلال تصنيفهم لمجموعات او أنواع معينة.
ثانيا: انماط النظام الحزبي
 ليس هناك تعريف جامع ومانع لمفهوم الحزب السياسي، بقدر ما هنالك تعريفات جد متعددة، تبعا لتباين بنيته ووظائفه السياسية[4]
  فلاديمير اورلاندو (1964): ان الحزب السياسي (علي الأقل في أمريكايميل الي ان يكون "مجموعة من الافراد المختلفين او المميزين ضمن اطار هيئة الناخبين ككل"، وهذه المجموعة تتشكل من الافراد الأعضاء في الحزب، وفي جانب اخر قد يشير الحزب الي مجموعة من العمال او مجموعات داخل الحكومة.
  ويليام نيسبيت تشامبرس (1967): يمكن النظر الي الحزب في معناه الحديث كتشكيل دائم نسبيا يسعى للسيطرة علي الحكم، ولديه هيكل او تنظيم يربط القادة بالمراكز المختلفة ويسعى للحصول علي شعبية.
ليون دابشتاين (1980): يقصد بالحزب السياسي أي مجموعة مهما كان شكلها التنظيمي تسعى لشغل مناصب حكومية بالانتخابات.
رونالد ريغان (1984): "الحزب السياسي ليس "الأخوةولكن فرقة لديها معتقدات معينة لما ينبغي ان تكون عليه الحكومة"
جوزيف شليسنغر (1991): الحزب السياسي هو مجموعة منظمة للحصول علي السيطرة علي الحكومة عن طريق الفوز في الانتخابات لمنصب عام ما"
 حسب التحديد الماركسي، الحزب هو ذلك الجهاز المعبر عن مصالح طبقة معينة، وهدفه هو الوصول إلى الحكم لإشباع رغبات الطبقة، او التحالف الطبقي الذي يعبر عنه والقضاء على مصالح الطبقات الاخرى التي تكون مصالحها متناقضة مع مصالح الطبقة او الطبقات التي يمثلها الحزب[5]
 ان الحزب السياسي عرف تعددية ملحوظة في تعريفاته، الا ان هناك شبه اجماع على انه يتميز عن باقي التكتلات السياسية من حيت الاهداف والوسائل وكذا الكيفية التي ينتظم بها[6].
      تنوعت  التعريفات  للأحزاب السياسية من كون الحزب مجرد أداة للوصول الى الحكم، او كونه قنوات الوساطة لتنظيم وتبسيط خيارات الناخبين من أجل التأثير على الحكومة، او انه كيان له ايديولوجيته وتوجهاته التي يريد الترويج لها، ومن ثم لم يقدم احد إجابة واضحة مرضية كتعريف للحزب مهامه والشكل الذي ينبغي ان يكون، وهذا الارتباك في التعريف قد نتج من كثرة التفسيرات المقدمة له.
   يرى سارتوري ان معيار التمييز بين نظام الحزب الواحد والحزبين وتنافس التعددية الحزبية يصعب تحديد اختلافات واقعية جدا بينهم، وحاول تأسيس القواعد التي يمكن خلالها احتساب او استبعاد الأحزاب، مع الاخذ في الاعتبار الحالات الخاصة مثل المجتمعات المجزأة، واستند في تصنيفه علي مدى الاستقطاب والتنافس بين الأحزاب إلى جانب اعدادها، ومن ثم آليات النظام الحزبي.
بدأ سارتوري بوضع قواعد واضحة لاحتساب الأحزاب، فالمعيار الأول هو مدى كون الحزب (صغير او كبيرمؤثر في التنافس الحزبي، فالأحزاب الصغرى توضع في الاعتبار أيضا لاحتمالية ائتلافها معا سواء في البرلمان او في الحكومة علي أن يكون تحالفها مؤثر، والأحزاب التي لا يوجد حاجة لمقاعدها مستبعدة من هذا الاحتسابوالمعيار الثاني هو تأثيرها علي اتجاه المنافسة الحزبية، فالأحزاب (صغيرة او كبيرةيتم احتسابها بناء علي ان وجودها غير اتجاه المنافسة من الجذب إلي الطرد (centripetal centrifugal to).
   بعد ذلك بدأ سارتوري[7] بوضع تصنيفات للنظم الحزبية من خلال رفض نظم الحزب الواحد والتعددية الحزبية "ككتل"، فيرى أن الأول يتشكل من خليط من نظم الحزب الواحد والحزب المهيمن حيث لا يوجد تنافس فعلي، وفي الحزب المهيمن عادة ما يحصل هذا الحزب على 50% من مقاعد البرلمان ويمارس هيمنته علي الأحزاب الأخرى الصغيرة التي لا تصل للحكم بسبب هيمنه، أما في نظم التعددية الحزبية فهناك فئتينتعددية محدودة تشمل من ثلاث الى اربع أحزاب، وتعددية مفرطة من ستة إلى ثمانية أحزابان التصنيفات المتبقية وهي سماها Atomized party systems او النظم الحزبية المفتتة، وهي مفتتة وغير منظمة او موحدة بشكل كافي لتصنيفها.
   يمكن القول ان التعددية الحزبية تنقسم الى صنفين أساسين: تعددية معتدلة وتعددية مستقطبة وذلك بناء على العلاقة والتنافس بين الأحزاب، ففي التعددية المعتدلة: يكون النظام الحزبي هنا نظام ثنائي القطب فالأحزاب تتواجد علي الجانبين ويتم التنافس بينهم علي الأصوات في المركز ومن ثم يكون هناك جذب للمركز centripetal أي جذب الأحزاب للتنافس في المركز، اما التعددية المستقطبة: هنا يحتل حزب مهيمن المركز ويحوز على اغلبية الأصوات ويتم طرد باقي الأحزاب من المركز، ومن ثم يكون هناك طرد من المركز centrifugal، وAnti-system parties أو الحزب ضد النظم في حالة منافسة قصوى مع الأحزاب في المركز، فالأحزاب في المركز تحكم دون وجود حكومة بديلة يمكن ان تحل مكانها، ومثل هذا النظام يتسم بانقسام أيديولوجي، معارضة غير مسئولة وسياسة الفرط في الوعود او المزايدة.
   فآليات المنافسة وخاصة مدى الاستقطاب هو اكثر أهمية من تعداد الأحزاب،  له أهمية اكبر في النظم المفتتة والتي تعد احدى حالات التعددية المعتدلة، لأن آلية النظام هو الجذب المركزي بدلا من الطرد، وانهي سارتوري طرحه بتصنيف رباعينظم الحزب المهيمن، نظام الحزبين، نظام التعددية المعتدلة، ونظام التعددية المستقطبة.
  منذ ان طورت التصنيفات التي تم ذكرها خلال الستينات والسبعينات، فأن التحولات نحو الديمقراطية  في انحاء العالم اعطتنا مساحة كبيرة من النظم الحزبية التي تحتاج الي تصنيف، الي جانب التيارات الحزبية في الديمقراطيات الليبرالية القديمة التي ازدادت بشكل كبير بالإضافة الي أحزاب الخضر والأحزاب الجديدة ونمو اليمين الجديد والأحزاب الشعبوية الجديدة، التي يصعب تحديدها بكونها مخالفة للديمقراطية الليبرالية ام تعكسها، ولاحظ ماير أن التعددية المستقطبة لسارتوري قد أفرغت علي عكس العددية المعتدلة التي ازدحمت حالاتها بشكل كبير.
اقترح بيتر ماير استخدام المنافسة علي الحكومة _اعتمادا علي طرح دال وروكانللتمييز بين النظم الحزبية، ففي النظم الحزبية التي تكون بها المنافسة علي الحكومة مغلقة، يكون هناك تناوب بين حزبين او مجموعة من الأحزاب، ومن ثم تكون صياغة السياسات ليست جديدة او مختلفة، والوصول للحكومة يكون مقتصر علي عدد قليل من الأحزابفي المقابل، فأن النظم التي بها المنافسة على الحكومة مفتوحة هناك تناوب جزئيبعض الأحزاب تتناوب داخل وخارج الحكومة وتظهر أحزاب جديدة، ومن ثم هناك اختلاف نسبي في صياغة الحكمكما يرى ماير أن التركيز علي هيكل المنافسة لا يلقي الضوء علي أهمية العلاقات بين الأحزاب فقط ولكن أيضاً يتيح للنظام الحزبي ان يعمل كمتغير مستقل وتعمل الأحزاب والناخبين متغير تابع.
   آلان سياروف Alan Siaroff[8] صنف التعددية المعتدلة وفقا للحجم والقوة النسبية للأحزاب، بناء علي تصنيف بلونديل السابق، ويستخدم سياروف مقاييس متعددة لتركيز علي الحجم النسبي وقوة الأحزاب الفائزة بأكثر من 3% من المقاعد، وانتهي الي ثمانية فئات: 1( نظام الحزبين الصرف بمعنى ان حصة الحزبين 95%، 2) نظم التعددية المعتدلة مع ثلاث لخمس أحزاب حاصلين علي اكثر من 3% (ووضح انه في الواقع يعتبر نظام الحزبين ونصف)، 3) نظم التعددية المعتدلة مع حزب واحد مهيمن، 4) نظم التعددية المعتدلة مع حزبين رئيسيين، 5) نظم تعددية معتدلة مع توازن بين الأحزاب، 6) تعددية حزبية مفرطة مع حزب واحد مهيمن، 7) تعددية حزبية مفرطة مع حزبين رئيسيين، 8) تعددية حزبية مفرطة مع توازن بين الأحزاب[9].

ثالثا: النظام الحزبي بالمغرب

    لقد كانت المرحلة الاستعمارية في المغرب 1912-1956  إطارا لبروز الأحزاب السياسية منذ 1934 تاريخ انبثاق أول تنظيم حزبي ممثلا في كتلة العمل الوطني التي كانت جسرا موطئا لترادف عدد من المكونات الحزبية في المنطقتين السلطانية الواقعة تحت النفوذ الفرنسي والخليفية الخاضعة للاستعمار الاسباني في صيرورة اكتست طابع رد الفعل على الحماية  الفرنسية والإسبانية ارتكازا على استراتيجية المواجهة وفق أساليب تمايزت حسب هوية الواقفين وراءها ومرجعياتهم ومنطلقاتهم السياسية مرحليا واستراتيجيا. وإذا كانت وضعية الاستعمار قد طرحت نفسها كمحدد موضوعي في تفاعل المكونات الحزبية مع الواقع المفروض، فان مرحلة الاستقلال فرضت رهانات جديدة على مستوى البناء السياسي للبلاد خاصة على الصعيد المؤسساتي محاولة إعطاء أبعاد استراتيجية للعهد الجديد من خلال طرح إشكالية القطيعة على مستوى طبيعة النظام السياسي المغربي[10].
    اتسمت الحياة السياسية في المغرب بأزمة مستحكمة على صعيد البناء المؤسساتي تجد أبرز تجلياتها في غياب انتخابات محسومة ومعترف بها منذ عام 1963، وهو ما شكل عقبة أساسية أمام تحقيق التراضي السياسي والحسم في قواعد ما يسمى "المسلسل الديمقراطي".
  لقد شكلت  انتخابات سبتمبر/أيلول 2002 التشريعية في مؤداها تطورا لا يمكن تجاهله، إذ أتاحت توضيح جملة من المعطيات السياسية وأسهمت نسبيا في إعطاء الفعل الانتخابي مدلولا معينا يمكن اختزاله في تجاوز المأزق الانتخابي في مظاهره المعيبة التي تجد سندها في بنية التزوير[11].
 على مستوى التمثيلية يلاحظ أن الدستور المغربي ترك الباب مشرعا دون أن يربط التمثيلية الحزبية للمواطنين بالمسلسل الانتخابي. فتعامل الملكية مع الأحزاب السياسية لا ينطلق بالضرورة من مبدأ الاقتراع أو مدى تمثيلها لقاعدة انتخابية معينة، كما أن الحياة السياسية المغربية منذ الاستقلال عرفت فترات لم يكن فيها للانتخابات أي موطئ قدم، ومع ذلك تعاملت الملكية مع المكونات الحزبية انسجاما مع تقييمها الخاص لمكانة كل حزب على حدة ولثقله السياسي.
  تعتبر التعددية الحزبية مظهرا أساسيا في المشهد السياسي المغربي لمغرب الحماية اذ أثمر النضال ضد الاستعمارين الفرنسي، المنطقة السلطانية والإسبانية والمنطقة الخليفية حركة وطنية بدأت موحدة وكتلة العمل الوطني سنة 1934 قبل أن تتناسل مكوناتها بموازاة تطور مواجهة الادارة الاستعمارية وتباين المواقف بخصوص استراتيجيات الكفاح. وظهرت الطريق معبدة في مغرب الاستقلال لتكريس واقع راسخ في طور تاريخي موضوعي مغاير خاصة وأن ولوج عهد ما بعد الحماية كان ايذانا بظهور الاختلافات التي كانت مضمرة في الحقبة الاستعمارية قبل أن تبرز ملامحها مع الدخول في مرحلة متباينة أصبحت فيها السلطة السياسية مناط كل تحرك وموضوع كل سجال. فكان أن بزغ واقع الثنائية في المشهد السياسي الايديولوجي مجسدا في التنافر البنيوي بين الثوريين والإصلاحيين والمحافظين والتقدميين والليبراليين والاشتراكيين[12].
   ان النظام الانتخابي بشكل عام له ارتباط وثيق بالأحزاب السياسية وطبيعة النظام الحزبي القائم، كما يعد اختيار نظام انتخابي معين احدى القرارات الهامة لأية ديمقراطية.. فاختيار نظام حزبي يكون له بالغ التأثير على مستقبل الحياة السياسية للدولة ومن الاهداف التي يتوخها أي نظام انتخابي أولا ضمان برلمان عملي وثانيا النهوض بالمعارضة البرلمانية[13]
   ترتبط الوظيفة التمثيلية للأحزاب في مقام آخر بمهمة تأمين الوساطة داخل النظام السياسي. وهو ما لا ينسحب من منظور الملكية على منطق النسق السياسي المغربي الذي لا يقر بأي وساطة بين الملك والشعب خاصة أن "التمثيلية العليا" باتت مجسدة دستوريا وسياسيا في المؤسسة الملكية[14].
    ظل الحقل السياسي المغربي مشوبا بانحصار بنيوي بدءا بالمستوى الدستوري ووصولا إلى المنافسة السياسية التي استمرت مجالا مطلبيا للأحزاب التاريخية أو المتموقعة في خانة مطالبة النظام. وهو واقع انعكس جوهريا على طبيعة الممارسة الحزبية التي وسمت بمختلف أشكال رد الفعل ضمن نسق مغلق أو دائري يعيد إنتاج نفسه دون أن يسائل ذاته أو يعيد تشكيل توازناته وفق منظور استراتيجي أو انطلاقا من تصور براغماتي يوازن بين طبيعة النظام ومتطلبات الفعل الحزبي الطبيعي[15]
ان ظهير الحريات العامة لسنة 1958 يعد خطوة تشريعية نوعية في التاريخ السياسي المغربي اذ اعطى بعض الاشارات لتوسيع هامش الحرية لإحداث الجمعيات والاحزاب والنقابات  وذلك في اطار قانوني منظم لها مما كان له أثر على مستوى التركيبة الحزبية لمغرب بعد هذا الظهير ظهرت مجموعة من الاحزاب السياسية[16].
تثير إشكالية مكانة الحزب في النظام السياسي المغربي لزوما الوضعية التي سطرها المشرع الدستوري للمؤسسة الحزبية ترتيبا على الاختيارات الإستراتيجية للنظام من جهة، وطبيعة الرهانات المتصلة بالأحزاب السياسية في المجال السياسي الوطني مرحليا وإستراتيجيا من جهة ثانية[17].
فقد جعلت الملكية من التعددية الحزبية مبدأ دستوريا ثابتا يلخص مراهنتها على واقع سياسي تعددي ينسجم مع طبيعة المؤسسة الملكية الحاكمة والتحكيمية أولا، ويجسد "الانتصار" السياسي الذي حققته الملكية في صراعها المضمر أو المكشوف مع المكونات الحزبية التاريخية.
وتجد التعددية الحزبية في المغرب ترجمتها الدستورية في البند الثاني من الفصل الثالث من الدستور 1996 الذي ينص على أن "نظام الحزب الوحيد غير مشروع"، كما أن الفصل التاسع يشدد في بنده الثالث على حرية جميع المواطنين في تأسيس الجمعيات والانخراط في أي منظمة نقابية وسياسية حسب اختيارهم.
ان التعددية الضرورية للبناء الديمقراطي والمفيد للتنمية والتقدم هو الذي ينطوي على تعدد حقيقي في الانتماءات والتصورات السياسية[18]، بحيث يكون الهدف من تأسيس الحزب الجديد هو برامج واقتراحات جديدة مغايرة لما تطرحه الاحزاب القائمة وهذا يدخل في اطار التنافس المشروع الذي يعطي أفكارا جديدة ويشجع على الابتكار ويخلق الدينامية التي تفتح باب التطور

لقد سبق للباحث الامريكي جون واتر بوري ان كتب ان النخبة السياسية المغربية تستعمل السلطة لأغراض دفاعية وتتعامل في التحالفات بمرونة وتتعدد انتماءاتها وتتناقض ولاءاتها وينعدم التطابق بين مواقفها  السياسية ومبادئها الايديولوجية وتسعى للحفاظ على الوضع القائم[19].

خلاصة:

  ان التعدد الحربية التي يعرفها المشهد الحزبي بالمغرب كانت نتيجة لصراعات سياسية سواء بين احزاب الحركة الوطنية في مواجهة النظام السياسي بعد الاستقلال او من جهة اخرى الانشقاقات الحزبية التي كانت احدى السمات الاساسية المميزة للنظام الحزبي المغربي، كما ان الاحزاب السياسية ظلت مؤطرة بظهير 1958 المتعلق بحق تأسيس الجمعيات[20]، قبل دستور 1962 والذي اشار بشكل صريح الى وظيفة الاحزاب السياسية ورفض نظام الحزب الواحد وظلت الدساتير المتعاقبة على المغرب تحدد طبيعة النظام الحزبي بالمغرب وكذلك اهم الوظائف التي يجب ان تضطلع بها الاحزاب السياسية المغربية، وظلت الاحزاب السياسية بالمغرب محكمة بإطار تشريعي وقانوني.



[1] - محمد زين الدين، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء. الطبعة الر ابعة 2018. ص 227
[2] - موريس ديفرجيه، الاحزاب السياسية، ترجمة علي مقلد. عبد المحسن سعد. الهيئة العامة لقصور الثقافة- القاهرة- 2011
[3]- Patrick Dumont, Jean-François Caulier, THE “EFFECTIVE NUMBER OF RELEVANT PARTIES”: How Voting Power Improves Laakso-Taagepera’s Index, Available on the following link

[4] - محمد زين الدين، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء. الطبعة الر ابعة 2018. ص 227
[5] - المهدي الفحصي، مدخل الى دراسة العلوم السياسية. مكتبة العرفان للنشر والتوزيع- اكادير، الطبعة الثالثة 2016. ص/ص 179- 180
[6] محمد زين الدين، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء. الطبعة الر ابعة 2018. ص 216.
[7]- Patrick Dumont, Jean-François Caulier, THE “EFFECTIVE NUMBER OF RELEVANT PARTIES”: How Voting Power Improves Laakso-Taagepera’s Index
[8] Siaroff, Alan(2000)Comparative European Party systems: An Analysis of Parliamentary Elections since 1945. New York: Garland Publishing.
[9]- Siaroff, Alan(2000)Comparative European Party systems: An Analysis of Parliamentary Elections since 1945. New York: Garland Publishing.

[10] - يونس برادة، "الفعل الحزبي وسؤال الديمقراطية في المغرب: قراءة في طبيعة النظام السياسي المغربي وجوهر الممارسة الحزبية"  انظر http://www.ahewar.org/


[11] يونس برادة، "طبيعة النظام السياسي المغربي وجوهر الممارسة الحزبية"  https://www.aljazeera.ne اخر زيارة للموقع  24-11-2019


[12] - يونس برادة، "الفعل الحزبي وسؤال الديمقراطية في المغرب: قراءة في طبيعة النظام السياسي المغربي وجوهر الممارسة الحزبية"  انظر http://www.ahewar.org/
[13] - احمد جزولي، الاحزاب السياسية بين عهدين ادوات السلطة في مجتمع التغيير. منشورات مجلة من اجل الديمقراطية. الطبعة الثانية. مطبعة ميثاق المغرب ص 54
[14] -   يونس برادة، "طبيعة النظام السياسي المغربي وجوهر الممارسة الحزبية" 
[15] - المرجع نفسه
[16] -احمد جزولي، الاحزاب السياسية بين عهدين ادوات السلطة في مجتمع التغيير. منشورات مجلة من اجل الديمقراطية. الطبعة الثانية. مطبعة ميثاق المغرب ص 51.

 [17]  يونس برادة "طبيعة النظام السياسي المغربي وجوهر الممارسة الحزبية" https://almadal2idaria.blogspot.com

[18] - زين العابدين حمزاوي، الاحزاب السياسية  وأزمة الانتقال الديمقراطي. المجلة العربية للعلوم السياسية ص/ ص 109-110
[19] - انظر؛ جون واتربوري، أمير المؤمنين والنخبة السياسية المغربية، مؤسسة الغني للناشر، الطبعة الثالثة 2013


[20] - ظهير شريف رقم 1.58.376 يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات. الجريدة الرسمية عدد 2404 مكررالصادرة  بتاريخ 16 جمادى الأولى 1378 (27 نونبر 1958). انظر http://adala.justice.gov.ma/



♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا
فريق موقع بوابة علم الاجتماع
فريق موقع بوابة علم الاجتماع
تعليقات