اتجاه المنهجية الفردانية وتجاوز التصورات الكليانية
ريمون بودون انموذجا
|
يعتبر السوسيولوجي الفرنسي ريمون بودون مؤسس الفر دانية المنهجية في علم الاجتماع من خلال بناء رؤية جديدة تخالف النظريات الكلياني. ما يميز بودون انه كان شديد الحساسية و الاعتراض على النظرية الماركسية المؤسسة على منطق الصراع بين الطبقات الاجتماعية , معتبرا ان الماركسية تسحق الفرد و تغتاله باسم الطبقة و الصراع الطبقي , فرؤيته تتأسس على بناء توجه جديد يهدف إلى دراسة الواقع الاجتماعي بناء على الفرد و ليس على الطبقة .
اعطاء الاسبقية للفرد كمقولة تحليلية في نسق التفكير السوسيولوجي يؤدي الى بناء نموذج جديد على مستوى المنهج السوسيولوجي من إرساء براديغم الفردانية و إعادة ترتيب وحدات التحليل السوسيولوجي مع إعطاء الأسبقية للفرد على الكل وعلى النظام .
في نظر بودون فالفرد يحتل مركز النظرية الاجتماعية , حيت الظواهر الإجتماعية عنده ليست شيئًا آخر غير التجميع والتراكم للأفعال الفردية العقلانية . ولعلّ أبرز مواجهة خاضها بودون وأشتهر بها، كانت مواجهته مع بورديو تحديدًا في تفسير التفاوت في الفرص أمام التعليم العالي.
الكلمات المفتاحية: ,الفر دانية,الكليانية,القصدية,الفرد العقلاني,العقلانية النفعية,
Abstract: Sociologist Raymond Boudon is the founder of individualism's methodology in sociology by building a new vision that goes against macro-theories. What distinguishes Bodon that he was very sensitive and objection to the theory of Marxism based on the logic of conflict between social classes, considering that Marxism crushes the individual and assassinated him in the name of class and class struggle, his vision is based on building a new approach aimed at studying social reality based on the individual and not on Class.
Giving precedence to the individual as an analytical quote in the sociological thinking pattern leads to building a new paradigm at the sociological level of laying the Bradgame of individuality and rearranging the units of sociological analysis while giving precedence to the individual over the whole and the system
In the eyes of Bodon, the individual occupies the center of social theory. Perhaps the most notorious confrontation with which Boudon fought was his confrontation with Bourdieu specifically in explaining the disparities in opportunities for higher education.
Keywords:individualism, totalitarianism, , intentional, actuality, cognitive rationality Utilitarian rationality
مقدمة :
قيمة تصورات ريمون بودون النظرية السوسيولوجية تكمن في قدرتها على بناء فعل تجديدي , يعاكس و يعلن المواجهة مع تصورات النظريات الكليانية التي تسمتد اصولها النظرية من الفكر الماركسي و لاسيما تصورات بيير بورديو فإن كتابات بودون شكلت توجها جديدا يعطي الاسبقية للفرد على حساب النظام و الطبقة , وهو ما سمح بتحرير التفسير السوسيولوجي من هيمنة النظريات الكليانية المغيبة للفردفالمنهجية الفردانية هي تيار اعاد الاعتبار لمقولة الفرد في بناء حريته و اختياراته العقلانية و النشطة في المشاركة السياسية .
بحسب هذا التيار فالفرد ليس كتلة هلامية يصنع مصييرها بعيدا عنها و خارج إرادتها وفق مقولات الصراع و التنافس و انما الفرد اصبح ذاتا عقلانية قادرة على الاختيار العقلاني و له كامل الحرية في بناء ذاته و تشكيل تصوراته ان يحوز كل اشكال المقاومة لمنع التسلط و الاكراه و الجبرية الطبقية كما حددها كارل ماركس .
. الفردانية تعطي الاسبقية للفرد على مقولة المجتمع من خلال الاهتمام بماهو خاص و شخصي و متفرد و حتى غرائبي و شاذ في الذات المفردة , كما تعلي من قيمة الحرية و الاستقلالية و رغم انخراط الفرد داخل انساق اجتماعية و سياسية فانه يحافظ على خصوصياته و جوانب كثيرة من استقلاليته .
فكل فرد له هوية خاصة تتشكل وفق مسار خاص , عموما فالاتجاه الفرداني لبرودن يهدف الى تحقيق نظام اجتماعي و سياسي يستطيع فيه الناس اختيار طريقة حياتهم وسلوكهم ومعتقداتهم، واقع يضمن حقوق الأفراد، بوصفهم أفرادا غير مكرهين على التضحية أو التنازل على شيء هم يعتقدون به)1 .( انطلاقا من هدا النمط الخاص من التفكير والذي يمكن اعتباره نتيجة عملية لسياق التطور التاريخي، الذي عرفته المجتمعات الحديثة والذي أعطى للفرد نوعا من التميز والفرادة. سنتوقف إذن مع ريمون بودون لنفكك مجموع الأسس النظرية والإبستمولوجية، التي تقوم عليها المنهجية الفردانية، بالبحث أولا عن الجذور الفكرية لهذا التوجه، لنتقل بعد ذلك إلى تفكيك المفاهيم التحليلية التي تقوم عليها وحضورها على مستوى تحليل القضايا السوسيولوجية.
الاصول النظرية لنشاة الفر دانية المنهجية .
يمكن الاقرار ان الاصول النظرية للتيار الفردانية يجد اساسه في سوسيولوجيا ماكس فيبر وفلفريدو باريتو. نجد في مؤلفات Boudon تأكيدا على هذا الأمر، وهو ما فتئ يعود إلى أعمال هاذين المفكرين ليبرهن على أصالة فكره وتجذّر مقاربته الفردانية في الفكر السوسيولوجي. فالتصنيف الفيبري المعروف للأفعال الإنسانية (الفعل التقليدي والفعل العاطفي أو الانفعالي والفعل العقلاني القيمي والفعل العقلاني الغائي) كما التمييز الباريتي المشهور بين الفعل المنطقي والفعل غير المنطقي شكلا أساسا متينا بنا عليه رواد المقاربة الفردانية طروحاتهم. (2).بودون في بناء رؤيته انطلق من انتقاد التصورات السوسيولوجية الكليانية لاسيما لماركس و اميل دوركايم حين اعتبر ان داخل كل تصور شمولي يوجد اساس مبدا الفردانية سواء بشكل صريح او بشكل مخفي و مبطن و غير معلن .
يوضح بودون هذه القضية من خلال تضمن سوسيولوجيا دوركايم الشمولية لقيمة ودور الفرد ذلك ان السوسيولوجي في منظور دوركايم مطالب بتحليل أثر البيئة و المحيط وتغيرات المحيط على الفعل الفردي. وبأكثر دقة، فهو يعتبر المحيط كمساهم في تحديد عنصرين هامين في الحقل الذي يتموقع فيه العون الاجتماعي (l’agent social) هما عامل الاختيارات المقدّمة له وقيمة الأهداف التي يقدمها”(3). وفق منظور بودون فان تنشئة الفراد لا تتم في الفراغ على على الافراد باعتبارهم وحدات اجتماعية مستقلة يعمل المجتمع على ادماجهم في النسق العام للمجتمع .
فعلاقة الفرد بالمجتمع ليست علاقة انصهار لكنها علاقة تاثير , صحيح ان دوركايم يعطي الحيز الاكبر و الثاتير الاكبر لطغوط المجتنع و شبكاته من اجل ربط الفرد بالمجتمع لكن هذا لا يعني غياب شخصية الفرد و انصهاره بشكل كلي و انما له شخصية يتجاوب بها و من خلالها من المجتمع . فالوعي الجمعي لا يلغي الوعي الفردي لكنه يؤثر فيه .
استطاع بودون ان يكشف حضور البعد الفردي في النظريات السوسيولوجية الكليانية ففي مختلف كتاباته نقدا للمقاربات الكليانية التي “لم تنظر للفرد إلا بوصفه نقطة عبور للأفكار الجماعية حيث تحدّد طموحاته ورغباته عبر محيطه الاجتماعي”(4).
فبودون استطاع عبر مسلسل متدرج من بناء اطار تصوري للتحليل السوسيولوجي من اعطاء مكانة مهمة لمقولة الفرد كاداة تحليل مهمة لفهم و تفسير الظواهر الاجتماعية تفسيرا يعطي الاسبقية للفرد و تجاوز التصورات الشمولية
. وتجدر الاشارة الى التاثير الكبير لقيم الفكر الليبرالي و قيم الرأسمالية المستمدة من فلسفة الانوار و من تصورات و افكار العقد الاجتماعي روسو و لوك و هوبز حيت اعطاء اسبقية كبيرة للفرد و للقيم الفرد في بناء المجتمع , لان المجتمع ليس معطى جاهز و لكن نتيجة تعاقدات لدوات حرة و عاقلة , و الاختلاف كان قائما بين رواد ومظري العقد الاجتماعي فيطبيعة التعاقد و خلفياته , وهل الطبيعة الخيرة والشريرة هي من تحكمت في ضرورة الانتقال من مرحلة اللادولة الى مرحلة الدولة. مثلا جون "لوك" أن الأفراد لم يتنازلوا عن جميع حقوقِهِم للحاكِم الذي هو طرف في العقد، وإنما تنازلوا عن جُزء مِن حقوقِهِم فقط، وبذلِك تصبَحْ سُلطة الحاكِم مُقيدَه بما تضمنهُ العقد مِن التزامات، تجعل الأفراد يتمتعون بحقوقِهِم الباقية التي لم يتنازلوا عنها، وأجاز لوك للأفراد حق مُقاومة الحاكِم وفسخ العقد، في حالة إخلالهِ لشروط العقد، وتتفِق نظرة جون لوك مع توماس هوبز في فِكرِة أن الأفراد كانوا في حلة الفطرة ثُم انتقلوا إلى مجتمع مُنظم، ويعتبِر الباحثين المُتخصصين "لوك" مِن مؤسسي النِظام الملكي المُقيد أو ما يُسمى الآن بالملكية الدستورية، لِذلِك فإن الحل الذي قدمَهُ يُعد مِن المنظور التقليدي حلاً ديمُقراطياً لِمُشكِلَة بناء النِظام السياسي في المُجتمعات.
بالرجوع الى نظرية المنجية الفردانية لبودون نجد انه يعتبر الفرد هو اساس بناء الظاهر الاجتماعية اما على المستوى السوسيولوجي فان مقولة الفرد اساسية لتحليل الظاهر الاجتماعية و تفسيرها بعيدا عن المنطق الكلياني الذي ساد في النظرية الماركسية و نظرية دوركايم .
فقد عمد بودون الى انتقاد النظريات الماكرو-سوسيولوجية التي تجعل الفرد نتيجة للظواهر الاجتماعية. فهو يولي الأهمية القصوى للفرد وكل ما يقوم به من سلوكيات على أنها المؤثرة في الظواهر الاجتماعية، ومن ثمة في التغير الاجتماعي. يقول في هذا الإطار: «شرح ظاهرة اجتماعية يعني الأخذ بعين الاعتبار دائما على أنها نتيجة للأعمال الفردية(5).
لقد حاول ريمون بودون من خلال هذا التوضيح تبيان عمق وتجدر المقاربة الفردانية في الفكر السوسيولوجي الكلاسيكي. وتجدر الإشارة إلى أن ذلك لم يمنعه من توجيه النقد للمقاربات الكليانية، التي تنظر للفرد باعتباره نقطة عبور لمجموع الأفكار الجماعية، حيث تحدد طموحاته ورغباته عبر محيطه الاجتماعي(6) وهو اعتبار دفع ريمون بودون إلى أن يعيد ترتيب وحدات التحليل السوسيولوجي من جديد، بشكل يقطع مع المسلمات الكلاسيكية في علم الاجتماع، تلك التي تغالي من شأن البنى والأنظمة والوظائف وتجعل الفرد أسير ما تمليه عليه الوحدات المشكلة للمجتمع. لذلك فالفردانية المنهجية كما يبدو من خلال جلّ مؤلفات Boudon تقوم في عمقها على نقد هذه النظريات التي يرى فيها غلوّا ومبالغة في هذا الجانب، بل هو يجعل مقاربته على طرفي نقيض مع ما يسمّيه بالوظيفية المغالية .
ثانيا : الفردانية كقضية منهجية .
إن خصوصية التحليل السوسيولوجي تكمن كما يقول بودون في أنه يهدف إلى دراسة حالات فردية من خلال نمط أو شبه نمط ممثل لبنية نظام التفاعل تنمو داخله الحالات التي سنفسّر” (7). ومهما تكن سلطة هذا النظام على الأفراد المكونين له من خلال تفاعلهم فإن للافراد سلطة خاصة و كبيرة للفعل و التاثير و القدرة على مقاومة ضغوط المجتمع و بناء حياة خاصة , ومن ثم القدرة على المواجهة و حتى على تغيير هذا النظام وهو ما يستوجب طرحا منهجيا مخالفا يعطي للأفراد أولوية في تحليل هذا النظام.حسب تصورات ريمون بودون فان الباحث السوسيولوجي ملزم من اجل بناء تفسير دقيق للمجتمع ان يحترم و يستدعي تطبييق قاعدة منهجية تقوم على فكرة ان الافراد هو اساس المجتمع و الافراد داخل كل مجتمع يتفاعلون كذرات منطقية في تحليله”(8). تنبني هذه القاعدة المنهجية إذن على أساس اعتبار مسؤولية الفراد في التغيير و التاثيرفيما يقع داخل المجتمعات .
فحسب تصورات المنهجية الفردانية فات الفرد مسؤول عما يقع داخل المجتمع و ليس مجرد كائن قابل للتشكل وفق انظمة التنشئة الشمولية سواء في اطارها الدوركايمي او الماركسي .فالأفراد داخلل كل تنظيم اجتماعي هم المسؤولين المباشرين عمّا يطرأ من ظواهر اجتماعية داخل الأنظمة.
مركزية الفرد في التحليل و البناء و قدرته على التاثير يشكل انزياحا على مسلمات التحليلات الكليانية في علم الاجتماع، تلك التي تغالي و تعطي الاسبقية للمجتمع على الفرد و للنظام و البنية على الذات وتجعل الفرد أسير ما يمليه عليه أحد هذه الوحدات المشكلة للمجتمع.
إن جوهر التحليل – وفق ما تقتضيه الفردانية المنهجية هو إذن الفهم. فهم سلوكات الأفراد قصد فهم خفايا الظاهرة والآليات المتحكمة فيها من اجل فهم و تفسير الظاهرة الاجتماعية . فالمنهجية الفردانية تعطي اسبقية للفرد غير أن ذلك لا يكون بمعزل عن ضغوطات الأنظمة المحيطة بالظاهرة والتي يتحرّك في إطارها الأفراد إذ “لا تقتضي الفردانية المنهجية أية تجزئة (atomie) بما أنها لا تقصي بأيّ شكل من الأشكال الظواهر العلائقية مثل التأثير والنفوذ. وتؤكد على أن يفهم سلوك الفاعل بالنظر إلى وضعية ما تتحدّد هي نفسها جزئيا بمتغيرات ماكرو سوسيولوجية(10).
ليس هناك من مجال وفق Boudon لنفي أثر البنى في الفعل الفردي ولكن ذلك لا يعني أنه يتحدّد وفقها بل هي تساهم جزئيا في تحديد اختيارات الفاعل، وهو بالضبط ما يقرّه بودون بقوله: “إن الذرة المنطقية (l’atome logique) للتحليل السوسيولوجي هو الفرد كفاعل اجتماعي و الذي لا يتحرك في فراغ , وانما تصرفاته و افعاله و سلوكاته محددة داخل سياق مؤسساتي و اجتماعي و مرتبطا بمجموعة من الضغوطات أي من الوحدات التي يجب أن يقبلها كمعطيات مفروضة عليه لا يعني أنه يمكن أن نجعل من سلوكه النتيجة الحتمية لتلك الضغوطات”(11).
فالبنى إذن موجودة وتجد متانتها في المؤسسات التي قد تتشكل وفق أطر وأنظمة ذات وظائف أيضا ولكنها لا محالة تعجز عن نفي قدرة الفرد كفاعل على الاختيار. ومن ثمة وجب على عالم الاجتماع أن يعود إلى جوهر الظاهرة لا إلى مظهرها الخارجي وذلك عبر البحث في دوافع الأفراد ومنطقهم في سلوكهم فعل دون آخر. وهكذا ،و”مهما تكن المسافة الفاصلة بين الملاحظ والفاعل مكانيّا وزمانيّا فإن الأول يستطيع دائما فهم الثاني شريطة أن يحصَل معلومات كافية حول الظروف المميزة للمحيط الاجتماعي للفاعل”(12). فهم السلوك الاجتماعي للافراد وفق تصورات المنهجية الفردانية مرتبط بفهم سياق و دواعي الفعل الباطنية و الذاتية .
لقد حرص بودون في كتابه “عدم تكافؤ الحظوظ” على إقامة الدليل على أن كل سلوك فردي يجر سلسلة من الظواهر ذات تبعات أوسع. فهو يقف ضد الحتمية التي يفترض دعاتها أن الأفراد يخضعون لإكراهات خارجية تحدد السلوك الفردي بشكل مسبق ، كما يرفض بودون التحليل التعميمي من اجل فسح المجال امام الخصوصيات و الاستثناءات الخاصة بكل حالة .
ففي كتابه “المنطق الاجتماعي يؤكد بودون (1979) وبيّن أنه حتى وإن كانت الظواهر الاجتماعية ناتجة عن مصالح ذات صلة بالمعتقدات والأفعال، فإن القيم والأخلاق أيضا لها دور هام. هذه النظرية التي تجعل الفرد مركز التحليل سوف تسمح في ما بعد بالإحاطة بالعلاقات الاجتماعية في مجملها.
فاعطاء مساحة من الحرية للفرد نتيجة اقتناع بودون بفكرة الفرد العقلاني، الذي يتصرف بعقله ونواياه و رغباته و اهدافه المعلنة و الغير المعلنة خططاته ، , فالتحليل السوسيولوجي الدقيق ينبغي ان ينصب على على فهم دوافع الفرد التي تقف وراء سلوك ما , فالفرد وفق الاسس النظرية للمنهجية الفردانية تعتبر ان الفرد يتبنى سلوكا عقلانيا حينما يصبح “فاعلا اجتماعيا”، ذلك أن المحيط يؤثر في أفعاله، التي تتغير بتغير إطار الفعل، ويكيّف اختياراته. رغم أنه يقر أن الاختيارات كلها لا يحددها المحيط دائما، لأن الفرد يحافظ على هامش مناورة تسمح له باختيارات ذاتية .
فكرة بودون ستكون الاساس لفكرة ميشيل كروزيه حول مفهوم منطقة الظل في علاقتها بالسلطة حيت فكل وضعية تنظيمية مهما كانت تضم دوماً هامشاً من الشك ، فالذي يتحكم في هذه المنطقة يحصل على السلطة فهو يحتفظ بمنطقة لا يتحكم فيها الآخرون ،وتجعل سلوكه غير متوقع في نظرهم.
لتفسير العلاقة الموجودة بين السلطة والفاعل الإجتماعي، يطرح لنا كروزيه مبدأ الشك الذي يستغله الفاعل الإستراتيجي كأرضية لبناء نوع من العنف / السلطة المقبولة اتجاه الاخرين ،وذلك في محاولة إجباره على الإلتزام بقواعد العمل و النظام داخل اي بنية .
من يستطيع التحكم في منطقة الشك أو الإرتياب بحسب كروزيه ،هو الذي له القدرة على ممارسة الرقابة والنفوذ والسلطة على الآخرين ، بما يخدم مصالحه وبما يجعل الآخرين تابعين له في قراراته .فبقدر مؤهلاته وإمكانياته بقدر ما يتحكم في تلك المنطقة التي تمكنه من اكتساب قوة غير معلنة و خفية / المصدر الأول للسلطة .
لذا فتحقيق الاستقلالية رهين ببناء مناطق ظل لا يستطيع الاخرون التحكم فيها .
. فالبنى إذن لا تعرقل الأفعال الفردية ولا توجهها في كل الأحوال. غير ان حرية الفرد و عقلانيته هي عقلانية محمدودة بحدود المعطيات التي يملكها الفرد كما ذهب الى ذلك احد رواد الاتجاد الفرداني غاري بيكر حدودها حينما أكد أنه إذا كان الفرد بطبعه عقلانيا، فإن ذلك يظل في حدود المعلومة التي بحوزته. أي أن مشكل الفرد الذي يفعل هو أن يرى بطريقته وهو ينظر فقط لحظة الفعل. بعبارة أخرى إذا كان الفرد قد يبدو عقلانيا، فلأن الحكم الذي نصدره عن فعله ينطوي على مغالطة.
ثانيا : مفاهيم بودون السوسيولوجية
ريمون بودون في تصوراته السوسيولوجية يهدف الى تجاوز اسس النظريات الماكرو – سوسيولوجية التي تجعل الفرد نتيجة للظواهر الاجتماعية. فهو يعطي لفرد مكانة اساسية و مساحة تواجد و استقلالية عن المجتمع عكس النظريات الكليانية و الشمولية , حيت يمنح للفرد اهمية ودورا مهما فيما ما يقوم به من افعال و سلوكات تؤثر في طبيعة المجتمع و ليس الفرد مجرد صدى للمجتمع , بل انه فاعل و مؤثر في طبيعة المجتمع و بالتالي امكانية المساهمة في تغيير المجتمع من طرف الافراد . حيت يؤكد بودون ان شرح ظاهرة اجتماعية يعني الأخذ يعين الاعتبار دائما على أنها نتيجة للأعمال الفردية , وبالتالي فان علماء الاجتماع عليهم ان أن ينظروا إلى الفرد في ظل نسق من التفاعلات، على أنه بمثابة ذرات، دراستها وفهمها تتطلب قاعدة منهجية تعمل على تحليل سلوكاتها وتصرفاتها بالقطع مع المسلمات الكلاسيكية المغالية في تفسير أنساق التفاعل والتغير الاجتماعي والتي تعمل على تذويب الفرد فيها.يستخدم ريمون بودون مفهوم المفاعيل المنحرفة (les effets pervers) ويعرفها على الشكل التالي: “…نستطيع القول أن هناك مفعولا منحرفا عندما يخلق شخصان (أو أكثر) خلال سعيهم وراء هدف معين، واقعا لا يبتغونه وقد يكون غير مرغوب فيه من كل واحد منهما، أو من وجهة نظر أحدهما” . يترتّب على هذا التعريف عديد من الحالات التي يمكن ملاحظتها، منها مثلاً أن يصل الفاعلون إلى أهدافهم المطلوبة بالفعل، او انهم قد يحققون بعض الاهداف الفردية لكن ينتجون الكثير من الضرر الجماعي .
تعتبر المفاعيل المنحرفة من الظواهرالاجتماعية غير المتوقعة التي تحدث نتيجة صعوبة توقعها بسب خصوصية الظواهر الاجتماعية و تعقدها . كما ذهب بودون الى وجود تعرض بين الأفعال والسلوكات الفردية غير المرغوب فيها او في حصولها و التي لم تكن نتيجة المساهمة القصدية للفاعلين الاجتماعيين بقدر ما تحدث تلقائيا، والتي قد تحمل قيماً ايجابية على المستوى الجماعي أو الفردي، في هذه الحالة فإنه يفضل استعمال مفهوم المفاعيل الناشئة (Effets émergents)، أو مفاعيل التجميع (effets d’agrégation)، التي يعتبرها أكثر حيادية من تعبير المفاعيل المنحرفة. وهي بهذا المعنى تفسّر التغيّر الاجتماعي الذي يحمل معاني التطور والتقدم والارتقاء..
مفهوم “أثر التجميع” في فكر ريمون بودون يستجيب للضرورة النظرية والمنهجية التي تستدعها النظرية الفردانية المنهجية على اعتبار ان الظواهر الاجتماعية تشكل لغزا و مجالا غامضا امام البحث السوسيولوجي .
حسب بودون فان اهمية التفكير السوسيولوجي حول الظواهر الاجتماعية ينبغي ان ينصب على اصل تكون الظاهر و نشاتها وظروف تشكلها، وهو بالضبط ما يحيل له مفهوم أثر التجميع الذي أورده بودون للإحالة إلى أصل تكوّن الظواهر ألا وهي الأفعال الفردية. هذه الأفعال تتجمع معا فتنتج أثرا ماكروسوسيولوجيا قابلا للملاحظة والفهم ولكن ذلك لا يعني أن الأفراد يتصرّفون عن قصد وبشكل معين لإنتاج ظاهرة ما، فهذه الأخيرة تنشأ لذاتها على اعتبار أن لا أحد من المساهمين فيها قد قصد إنتاجها، بل إن أثر التجميع لا ينشأ عن ترابط بعضهم بالبعض الآخر(13).
هكذا إذن تنشأ الظواهر، ويقدمها بودون على أساس أنها حاصل تجميع أفعال متعدّدة لفاعلين متعدّدين يتفاعلون في ما بينهم ومع النظام فينتجون آثارا اجتماعية
وعلى أساس هذا الطرح وطروحات أخرى مماثلة ينتهي بودون إلى أن الآثار غير المتوقعة تحتل حيّزا هاما في حقل الواقع. فهذا الأخير ينفلت عن مختلف التوقعات ويتشكل في عديد الأحيان وفق ما ينتج عن أفعال الأفراد رغم أنهم يتحرّكون باستمرار بطريقة منعزلة عن بعضهم البعض. فإذا تحسّنت مثلا حظوظ كل فرد من أفراد المجموعة يمكن أن ينتج عن ذلك تزايدا في عدم الرضا الجماعي(le mécontentement collectif) إذ يصبح كل فرد – وإن اختلفت وضعيته عن البقية- يطمح إلى أكثر مما يمكن أن يجني(14 ) وبرغم أنه لا أحد من هؤلاء قد اختار –بوعي- أن يصل إلى هذه النتيجة فإن ما نتج هو مخالف لما كان متوقعا.
فالمقاربة الفردانية فتحت الآفاق لإيلاء الفرد المكانة الأهم في التحليل السوسيولوجي، وهذا الاعتبار النظري – المنهجي جعل بودون يستلهم مفاهيم “أثر التجميع” و”أثر التشكل” و”الآثار الشاذة” و”الصدفة” و”أثر الانبثاق”… وهي كلها مفاهيم تتكامل فيما بينها لتنتج مقاربة جدّ مخصوصة في حقل علم الاجتماع ما فتئت تستثير الباحثين وتستنهض هممهم لإعادة قراءة التراث السوسيولوجي أولا وطرق أبواب أخرى للتحليل العلمي الاجتماعي ثانيا.
في كتابه L’inégalité des chances، عمد إلى بناء مقاربة نظرية ميكروسوسيولوجية تفسّر إشكالية التفاوت في التعليم، بواسطة الخيارات الفردية والمنطقية للأفراد الفاعلين. وقد استفاد لاتمام ذلك، من المعطيات الإحصائية، دون أن يكترث للنظرية الماكروسوسيولوجيا التي تفترض حتمية سلوك الأفراد وفق إكراهات البنى الإجتماعية.
ينطلق بودون من مسلمتين، الأولى أنّ المجتمع وخاصةً الغربي الصناعي مقسّم إلى طبقات متفاوتة الأحجام، هي غالبًا الطبقة العليا، والطبقة الوسطى، والطبقة الدنيا ؛ والمُسلّمة الثانية أنّ النظام التربوي أو التعليمي هو عبارة عن سلسلة من مفترقات طرق متعاقبة، يقف الفرد وعائلته عند كل منها ليقرر الاتجاه الذي يسلكه (يتابع، يتوقف) . عند نهاية كلٍ منها يتوجب على المتعلم وعائلته اتخاذ خياراتهم المناسبة، وهذه الخيارات تتنوع وتختلف تبعًا لمتغيرات تتعلق بالموقع الإجتماعي للأفراد، إذ يتخذ الأفراد قراراتهم بناءً على ثلاثة مؤثرات هي: أولاً، الكلفة المترتبة لقاء متابعة المسار التعليمي الطويل، ثانيًا، المنافع التي سيجنيها الفرد إذا قرر متابعة دراسته، ثالثًا، المخاطر التي قد يواجهها في حال متابعة مساره التعليمي، وتتمثل باحتمال الرسوب أو التأخّر في بلوغ الأهداف، أو باحتمال أن لا يجد له موقعًا في الوظائف العليا يناسب المستوى التعليمي المحقق، هذه المؤثرات الثلاثة يختلف تقييمها بين الافراد والعائلات تبعًا للأصل الاجتماعي والكلفة والمردود المتوقع، وهكذا فالفائدة من التعليم تتراجع عندما يزداد الخطر، أو يرتفع الثمن، أو عندما تنخفض المنافع. بالتالي فإنّ اتخاذ قرار المتابعة في المسار التعليمي عند نهاية مرحلة معينة يكون أكثر احتمالاً، عندما تكون فائدته مرتفعة.
في المحصلة يقيّم الأفراد وعائلاتهم مسبقًا، بطرق مختلفة تبعًا لمواقعهم في التراتب الإجتماعي، الأثمان، والأخطار، والمنافع، وهو ما يقودهم إلى خيارات متفاوتة تعكس التفاوت الاجتماعي الذي يمثلونه. يرى بودون أنّه، استنادًا إلى ذلك، من غير المفيد إطلاقًا إدخال المفهوم الغامض المتمثل بالخلفية الثقافية للطبقة (sous-culture de classe)، فهذا المفهوم لا يسمح بأي شكل من الأشكال بتفسير المعطيات الملاحظة من الدراسات الميدانية. بينما يكون أكثر بساطةً افتراض أنّ الأفراد يخضعون لسلسلة من القرارات العقلانية تتأثر بالموقع الاجتماعي الذي ينتمون إليه . إذن الأولوية في هذه المقاربة لقرارات الأفراد العقلانية، إي تبعًا لمنطق نظرية الفردانية المنهجية، التي لا تهمل ولا تلغي، مع ذلك، تأثير الخلفية الاجتماعية، والضغوط الخارجية التي تدفع الفرد إلى اتخاذ قرار حرّ وواعٍ، منسجم مع ظروفه الاجتماعية الضاغطة.
كيف ينتج التفاوت اذن؟ انه محصلة تراكم القرارات الفردية في كل مرحلة تعليمية، وهو يقود إلى جعل أبناء عائلات الطبقة العليا يتابعون بأغلبيتهم دراساتهم الجامعية حتى النهاية، بينما أبناء الطبقات الدنيا غالبًا ما يتوقفون عن متابعة دراستهم حالما يصلون إلى مرحلة تحقق تقدمًا وترقيًا نسبةً إلى أصلهم، وينتقلون في وقت مبكر إلى سوق عمل يتناسب مع مستواهم السابق أو أفضل قليلاً. وهكذا ينتج تجميع القرارات مفاعيل منحرفة متمثلة في تفاوت الفرص أمام التعليم العالي الجامعي، على أساس التفاوت الاجتماعي.
ثالثا : الفردانية المنهجية والعقلانية النفعية .
.فالفر دانية المنهجية ;وفق التصورات السوسيولوجية لريمون بودون في تحليله للظاهرة الاجتماعية فانه يعطي الاسبقية لمقولة للفرد قبل النظام و المجتمع في تحليل و تفسير الظواهر الاجتماعية و ليس الاقتصار فقط على التحليل الشمولي و الكلياني المؤسس على سحق الفرد و اعتباره مجرد عنصر داخل النظام . بهذا تكون الفردانية المنهجية رؤية جديدة تعاكس توجهات التصورات الكليانية و تختلف معها من حيت المنطلقات و النتائج .ما يميز هذا الاتجاه الفرداني الميتودولوجي هو ان يهدف الى تجاوز مرحلة الوصف من خلال العمل على تفسير الظواهر عبر عمليتي الفهم و التفسير من خلال ايجاد المعاني ودلالات الفاعلين التي يطفونها على افعالهم الاجتماعية .
بهذا تتاسس الفردانية المنهجية على فكرة البحث عن معاني الافعال و دلالتها داخل الانساق الاجتماعية , من خلال البحث عن ماوراء الفعل الاجتماعي من قيم و دلالات .
فرؤية بودون و فيول تتحدد بالاهتمام بدور دور الفاعل الاجتماعي في التحليل السوسيولوجي , ان قيمة و اهمية البحث السوسيولوجي تتحدد في دراسة الفاعل الاجتماعي و رهاناته و ابعاد افعاله , بهذا المعني فالفرد الاجتماعي لم يعد مجلارد عنصر داخل نسق او منظومة اكبر منه و انما وظيفته تتحدد بما يفرضه النسق و اما اصبحت قيمة الفرد كفاعل له قيمه و ارادته و افكاره و مبادراته و افعاله العقلانية .
إذا كان الفاعل الاجتماعي يعتبر اللبنة الأساس في التحليل السوسيولوجي، فذلك لا يعني أن الفرد عبارة عن قطعة ذرية تتخذ قراراتها بمعزل عن الجماعة المنتمية لها، وإنما هو فاعل اجتماعي كباقي الفاعلين،كما أنه لا يتمتع بالاستقلالية عن الجماعة التي هو عضو فيها، بحيث يتفاعل ويتخذ قراراته داخلها. هذا الأمر يوضح كيف أن المنهجية الفردانية قد حصرت مجال اهتمامها في البحت عن الدوافع والأسباب الكامنة وراء اختيارات هؤلاء الفاعلين، انطلاقا من الحركية الاجتماعية والمواقع التي يحتلونها، وذلك لمعرفة مدى الأثر الذي تتركه الأفعال على البنية الاجتماعية والظواهر الاجتماعية، التي تنبني على هذه السلوكيات والأفعال الفردية.لذلك ففهم سلوكات الأفراد يعني قطعا فهم خفايا الظاهرة الإجتماعية والآليات المتحكمة فيها وذلك بالتركيز على خاصيات الأفراد التي تسمح بإمكانية تفسير هذه الظواهر. و لعل من بين المكاسب التي حققتها الفردانية المنهجية هو إسهامها في هذا الإطار في الربط ما بين الظواهر والأفعال الفردية على اعتبار أن هذه الظواهر هي النتيجة المجمعة لا القصدية للأفعال البشرية فردية كانت أو جماعية.
إن العقلانية الإدراكية نظرية تهتم بالمعتقدات وذلك من أجل إتمام الفردانية المنهجية،.إن العقلانية الإدراكية تقوم على مسلمة الفهم بالمعنى الفيبيري للكلمة ، أي إيجاد الأسباب التي من شأنها تفسير هذه المعتقدات. ففي نظر ماكس فيبر يجب تقويم نوعية الأسباب ليس من وجهة نظر عالم الاجتماع أو الباحث ’ بل من وجهة نظر الأفراد أنفسهم. من هنا يمكن القول بأن النتائج المهمة للعقلانية الإدراكية هي إمكان أن تكون لنا أسباب وجيهة للإيمان بأفكار خاطئة . لذلك فمسلمة الإدراك و الأسباب الوجيهة تسمحان بتوسيع مجال العقلانية.
فتفسير قاعدة ما يعني فهمها أي البحث عن الأسباب الخارجية أو الضمنية التي دفعت الفاعل إلى اعتناقها، وبالتالي العمل على إعادة بناء وصياغة الدوافع التي استطاعت إقناع فرد ما بتبني المعتقد الذي هو موضوع الحديث. وقد ميز بودون وفيول في هذا الإطار بين المعتقدات الإيجابية والمعتقدات المعيارية. فيما يخص المعتقدات الإيجابية فهي تخص نصوصا حديثة، أي تلك التي تتعلق بمعيار الصحيح والخطأ، والأفراد الذين يتبنون هذا النوع من المعتقدات إنما يفعلون ذلك استنادا إلى محاكمات عقلية مفهومة. وتجدر الإشارة إلى أنه، ووفقا لنموذج سيميل، قد يؤدي استدلال أو محاكمة عقلية غير مناسبة إلى اعتناق معتقدات خاطئة، كما يمكن أن توصلنا إلى ذلك محاكمة عقلية صحيحة لكنها تستند إلى معطيات خاطئة، الشيء الذي ينتج عنه أن الأفراد قد يعتقدون بأفكار خاطئة ولكن لأسباب وجيهة. إن مصدر المعتقدات الخاطئة وفقا لنموذج سيميل يقع في قبليات ما وراء الشعور، أما بخصوص المعتقدات المعيارية، فهي أحكام تقويمية تطلق على مؤسسات أو تصرفات أو مواقف. ويصدر الفاعل الاجتماعي هذه الأحكام التقويمية في ظروف مختلفة من حياتهم اليومية، وهم مستعدون للدفاع عنها بحجج مختلفة. وتتلخص الطريقة العقلانية في إيجاد الأسباب التي دعت الأفراد إلى اعتناق هذا النوع من المعتقدات، وبيان الأسباب المفسرة لوجهات نظرهم. وقد ميز بودون في هذا الإطار ما بين التفسير الذي يقوم على عقلانية أخلاقية وهو تفسير يعنى بمقاربة موضوعية القيم والمعرفة في ضوء العرض المجمل للعواطف الأخلاقية، وما يرافقها من استدلال أخلاقي، وتفسير نفعي بحيث يلجأ إليه الفاعلون الاجتماعيون لتبرير معتقداتهم المعيارية، بناءا على أسباب ذات طبيعة نفعية، كالحكم على مؤسسة بأنها جيدة إذا كانت تسهم في تشغيل النظام الاجتماعي، وبأنها سيئة إذا كانت تسبب الضرر له (15).
فالفاعل كما بين ذلك بودون يعمل على بلوغ الغاية المختارة، أي تلك التي توفر له بحسب اعتقاده، أعلى مستوى من الرضا أو الفائدة باستخدام قدراته على أفضل وجه لتحقيق مصالحه الشخصية
فرق بين العقلانية وهذا ما يسميه بودون وفيول بالعقلانية النفعية rationnalité instrumentale، وهي عقلانية لا يمكن أن نماثلها بالعقلانية الكاملة، وإنما هي بحسب دفييد سيمون (16).عقلانية محددة، على اعتبار أن المعلومات التي يمكن أن يستند عليها في اتخاد القرار يمكن أن تكون ناقصة أو مغلوطة أو الوقت المتاح للعمل قصير، مما يمنع الفاعل من أن ينظر في الأفعال الممكنة كافة وحتى في فحص النتائج المتوقعة، من و لعقلانية المحدودة
فسيمون في نظريته العقلانية المحدودة يؤكد على محدودية عقلانية الفرد عند اتخاذه للقرارات. لان يصعب بناءء قرارا صائبة دائما و بشكل يقيني و جازم بسبب بالقيود المعرفية للفرد، و ايضاً محدودة بالوقت المتاح لاتخاذ القرار. وبالتالي، فأن صناع القرار من هذا المفهوم دائما ماتكون قراراتهم مرضيه لا مثالية، اي انهم يبحثون دوماً عن حل مرضي بدلاً من البحث عن الحل الأمثل.
الخاتمة
ما يميز المقاربة الفردانية المنهجية هو تصوراتها و منطلقاتها النظرية حول علاقة الفرد بالمجتمع , و اعطاء اسبقية للفرد الذي يحافظ على الكثير من استقلاليته داخل المجتمع , حيت جعله بودون فوق كل الأنظمة والبنى وهو مايسمح له بتغيير الواقع الاجتماعي باعتباره فاعلا يؤثر في محيطه .سوسيولوجيا بودون في بعدها المفاهيمي و المنهجي اهتمت بالظاهرة الاجتماعية كفعل اجتماعي يتسم بالحركية و التطور و التغير , بحيت اصبح الفرد قادرا على الفرد و التاثير و هو ما جعلها نظرية مهمة و مرجعية في الفكر السوسيولوجي لاسيما في مواجهتها للمقاربات الكليانية التي تسحق الفرد باسم المجتمع و النظام .
قائمة المراجع:
1 بيرأنصار، العلوم الاجتماعية المعاصرة، ت: نخلة فريفر، المركز الثقافي العربي، ط:1،1992.2/ زهيـر بن جنـات الفر دانية في سوسيولوجيا ريمون بودون http://www.aranthropos.com/
3/ بيرأنصار، العلوم الاجتماعية المعاصرة، ت: نخلة فريفر، المركز الثقافي العربي، ط: 1،ص71،1992.
4 بيرأنصار، العلوم الاجتماعية المعاصرة، ت: نخلة فريفر، المركز الثقافي العربي، ط: ،1992، ص 82.
/ 5Raymond BOUDON : La logique du social, introduction à l’analyse sociologique. Hachette / Pluriel, Paris, 1997. p 270
6 -Raymond BOUDON: Individualisme et holisme en sciences sociales. Dans : Pièrre Birnbaum et Jean Leca (S/D): Sur l’individualisme. Ed. PFSP. Paris. 1991. p49
7/ Rymond Boudon : Traité de sociologie. PUF. Paris. 1992 . P22.6/
BOUDON (R): La logique du social. Op.Cit . p80 8 /
9Raymond BOUDON: Traité de sociologie. PUF. 1992. p22
10 Raymond Boudon: La place du désordre, quadridge/PUF. 1984. p 66
11 BOUDON (R): La logique du social. Op. Cit. p52
12 BOUDON (R): la place de désordre. Op. Cit. p65
[13] – Rymond Boudon: La place du désordre.0p cit.P65.
14ريمون بودون وفيول، الطرائق في علم الاجتماع، ترجمة مروان بطش، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2010.
بودون وفيول، الطرائق في علم الاجتماع، مرجع سبق دكره، ص 145.15
16 – هربرت سيمون، نماذج من العقلانية المحددة، المجلد الثاني: سلوكيات الاقتصاد وتنظيم العمل كامبريدج، Press،1982. ص103،
♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا
مرحبا بك في بوابة علم الاجتماع
يسعدنا تلقي تعليقاتكم وسعداء بتواجدكم معنا على البوابة