التنظيم البيروقراطي عند ماكس فيبر و ميشال كروزيه.pdf
مقدمة:
تتأثر التنظيمات الحديثة بالعديد من المتغيرات البيئية سواء تلك المتعلقة بالبيئة الداخلية أو البيئة الخارجية على حد سواء، و تتمثل متغيرات البيئة الداخلية في الهيكل التنظيمي وطبيعة العمل وما يتضمنه من صلاحيات ومسؤوليات، وأنظمة المعلومات والاتصالات التي تؤدي دورا مهما في انسيابية الأداء بين الأجزاء المختلفة للمؤسسة، كما وأن التكنولوجيا المستخدمة من قبل المنظمة تعد واحدة من أهم متغيرات البيئية الداخلية، وكل هذه المتغيرات تؤسس لثقافة تنظيمية خاصة بالمؤسسة تؤثر على أداء الفاعلين و بالتالي على أداء المؤسسة و مردوديتها.
ومن بين أهم متغيرات البيئية الداخلية الأفراد العاملون داخلها ( بمختلف مواقعهم الوظيفية ) و الذين يشكلون العمود الفقري لثقافة المنظمة، إذ أن خصائص وسمات وقدرات هذا المورد البشري في أي مؤسسة تؤثر وتتأثر في الوقت ذاته بالمتغيرات البيئية، وينجم عن هذا التفاعل مستوى الأداء و الفعالية وفق ما يدركه ويتصوره الفاعلون الاجتماعيون داخل المؤسسة.
إن المؤسسة هي تنظيم اجتماعي هادف ينتج واقعا اجتماعيا بداخله يتجلى من خلال العلاقات الاجتماعية السائدة بين مختلف الفاعلين الاجتماعيين، فهذه العلاقات هي نتاج لثقافة الأفراد وهي منتجة لثقافة خاصة بالمؤسسة من خلال الفعل الجماعي للفاعلين داخلها.
إن الفعل الجماعي أو الفعل المنظم هو وسيلة لتحقيق أهداف المؤسسة كتنظيم، لذا يتطلب علينا فهم الفعل الاجتماعي والذي ربطه ماكس فيبر بالموقف الاجتماعي، فعلى العكس من السياقات النظرية المختلفة باختلاف روادها، فقد كانت اهتمامات فيبر مختلفة كل الاختلاف عن تصورام المفاهيمية إذ انصبت على المعاني الذاتية التي يصفها الفاعلون الاجتماعيون على أفعالهم، حيث يتوقف اختيارهم للفعل على الفهم الذاتي للموقف الاجتماعي (1) ذاته،
وقد حدد لنا فيبر الفعل الاجتماعي بتمييزه بأربعة أنماط وهي:
- فعل اجتماعي عقلاني يرتبط دف.
- فعل اجتماعي عقلاني يرتبط بقيمة.
- فعل اجتماعي عقلاني عاطفي
- فعل اجتماعي عقلاني تقليدي.
في حين نجد أن فيبر قد أتى بمفهوم جديد للتنظيم من خلال إضفائه بطابع الرسمية فالتنظيم –حسبه- يضم مجموعة علاقات اجتماعية، و تفاعلات بين الأعضاء المشكلين له بحيث يكون ذلك وفق الأسس و القواعد التي تحكم (2) سلوكهم و يتم ذلك على أساس نظام التسلسل الإداري، تقسيم العمل وتحقيق الهدف. وقد وضع فيبر نموذجا للإدارة و التسيير أسماه "النموذج البيروقراطي" والذي يعتمد على الترشيد العقلاني للتسيير و التنظيم الإداري. ولكن الدراسة التي قام ا البحث الفرنسي ميشالكروزيه، خلصت إلى أن تطبيق الخصائص (3) البيروقراطية في المؤسسات نتج عنها الروتين و الجمود. ومن هنا فإننا نتساءل: ماهو مفهوم الفعل الاجتماعي عند ماكس فيبر؟ وماهي خصائص التنظيم البيروقراطي عندكل من ماكس فيبر و ميشالكروزيه؟ سنحاول فيما يأتي شرح المقاربة الفيبرية للفعل الاجتماعي، وكذا تحليل المقاربة البيروقراطية للتنظيم عندكل من ماكس فيبر و ميشالكروز
الفعل الإجتماعي عند ماكس فيبر :(4)
يعتبر ماكس فيبر من الرواد الأوائل الذي أعطى للفعل الإجتماعي حظه من التحليل والدراسة ونظر له على أنه يشكل الموضوع الأساسي لعلم الإجتماع والوحدة الرئيسية لتحليل السوسيولوجي من أجل الوصول إلى الفهم التفسيري أي الوصول إلى المعاني التي يعطيها الإنسان لسلوكه ، وبذلك نقف على الدوافع الإجتماعية والثقافية التي تحكمه فأهمية الفعل الإجتماعي بالنسبة للدراسة السوسيولوجية تضاهي نفس أهمية السلوك لدى المدرسة السلوكية غير أن محتوى كل منهما يختلف عن الآخر، فماكس فيبر يعرف الفعل على أنه » يتضمن كل أنماط السلوك الإنساني طالما الفاعل يضفي على فعله معنى ذاتيا « نستنتج من هذا التعريف ثلاثة مفاهيم أساسية وهي السلوك، الفعل ، والفعل الإجتماعي ،فالفعل هو أعم وأشمل من السلوك والفعل الإجتماعي كون أن هذا الأخير يمثل كل النشاط الإنساني يضفي عليه صاحبه معنى ذاتي فقط أما الفعل الإجتماعي هو أخص من الفعل لأنه يمثل الفعل الذي يتضمن المعنى الذاتي للفاعل ويأخذ بعين الاعتباركذلك اتجاهات وأفعال الآخرين أي تحكمه وتوجهه ضوابط ومعايير إجتماعية وثقافية أما السلوك هو جزءا من الفعل، لأن الفعل يتضمن السلوك والدوافع بغض النظر عن طبيعتها سيكولوجية أو بيولوجية .
أما الفعل هو الدافع والسلوك معا في علاقة الوسائل بالغاية يوصف كذلك لأن ليس له دوافع دقيقة ومحددة، ويصبح فعلا إنسانيا إذا ارتبط الدافع السيكولوجي بسلوك الفرد، ويصبح الفعل إجتماعيا إذا كانت الدوافع أو الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها الفاعل ذات طبيعة إجتماعية أساسا فالفعل الإجتماعي إذن تحكمه ضوابط ثقافية وإجتماعية كون أن الفرد يعيش ضمن الجماعة ويتفاعل معها وبذلك يصبح الفعل الإجتماعي إطار مرجعي لكل السلوكات البشرية، فالأنماط الثقافية تعطي الأفراد أنماط سلوكية تجعلهم يفهمون أفعال بعضهم البعض. لأم المنتمين لنفس الوعاء الثقافي العام أو الخاص يقومون بنشاطام وأفعالهم في ضوء اصطلاحات إجتماعية عامة التي يطلق عليها بالمعايير الثقافية ويكون الفعل إجتماعيا بصفة متميزة عن الفعل عندما يكون الفعل الصادر عن فرد معين قد أخذ في اعتباره أفعال الآخرين ثم يكتسب توجيها لمساره أو مجراه وهكذا ينتقل من التحليل السيكولوجي إلى التحليل السوسيولوجي لأن هناك تخوف عند بعض علماء الإجتماع من أن هذا الاتجاه يخلط بين التفسير السيكولوجي والسوسيولوجي طالما أن كليهم يدرس السلوك البشري انطلاقا من الدافعية.
وضع ماكس فيبر في دراسته للفعل الإجتماعي أربعة نماذج كل نموذج يتميز عن الآخر بطبيعة الدوافع الإجتماعية التي تحكمه أو توجهه هي:
الفعل الإجتماعي العقلاني:
هو الفعل الرشيد، الذي تكون دوافعه السعي وراء تحقيق غاية وهدف معين، فالفاعل هنا يدرك هدفه بوضوح، ومن تم يقوم بجمع أو استعمال الوسائل من أجل تحقيق هذا الهدف، فاختيارات الفاعل هنا نابعة من العقل ،والإدراك للمحيط الخارجي سواء في اختيار الأهداف أو في اختيار الوسائل التي يراها هو مناسبة لتحقيق تلك الأهداف، فتحدد العقلانية من خلال توقع الفاعل لظروف أو الشروط التي توفرها البيئة الخارجية، وتوقع كذلك سلوك الأشخاص الآخرين التي يبنى على أساسها تصوره للموقف، ويحدد ذلك الوسائل التي يرى فيها بأنها قادرة بأن تحقق له هذا الهدف أو توصله إلى المنفعة التي يريد الحصول عليها. فالتوقعات التي يقوم بها تستند على معرفته بالأنماط الثقافية التي تحكم سلوكات الأفراد أو الأشخاص الآخرين.
ولنفترض أن شخص (أ) أراد أن يحقق منفعة معينة ما والمتمثلة في تخصيص مكان لتحديد طاقته البشرية فاختيار الهدف ينطلق من إدراك عقلي واضح لأثر تلك المنفعة عليه، ثم ينطلق بعد ذلك في جملة مركبة من المعاني والصور الثقافية لتحديد شكل هذا الهدف، هل يكون كوخ، ظل شجرة، خيمة بسيطة، قصر ... الخ. ثم يقوم بعملية مفاضلة بينكل هدف والوسائل التي تلزمه من جهة والإمكانيات المتوفرة لديه كذلك، ويتوقع كذلك رد فعل الآخرين عن الاختيار الذي سيقوم به هل سيواجه بالقبول، بالرفض بالاستنكار الخ.
في ظل كل ذلك فإن الفاعل يختار الهدف والوسائل المادية والبشرية التي يراها مناسبة.
وعلى العموم نستطيع أن نقول أن الفعل العقلاني أو الرشيد هو الفعل الذي توجهه القيم الذاتية والخاصة التي يدركها الفاعل بأنها متضمنة في الهدف الذي يسعى إلى إنجازه وعليه يعمل كل ما في وسعه من أجل اختيار الوسائل التقنية والبشرية الأكثركفاءة من وجهة نظره.
1-2 .الفعل العقلاني بالنظر إلى القيمة:
وهو الفعل الذي يكون من خلال الاعتقاد بالقيم المطلقة ذاتها أي الإمتثال للقيم الإجتماعية والثقافية السائدةكما هي، دون التدقيق في الأثر التي سيترتب عنها والمنفعة التي سيحققها من وراء الفعل الذي سيقوم به مثل فعل القائد البحري الذي يقرر أن يغرق مع سفينته عوض أن يفعل كلما في وسعه في يده من إمكانيات ووسائل من أجل تحقيق هدف عقلاني المتمثل في الخلاص والنجاة بنفسه،إذن إن الفعل العقلاني بالنظر إلى القيمة يكتسب عقلانية ليس من خلال محاولته تحقيق هدف خارجي محدد ولكن لأن التخاذل عن تحقيقه ينظر إليه كنوع من العار و من تم نجد أن الفاعل يتصرف عقلانيا باعتقاده المطلق بقدسية القيمة حتى يظل أمينا على فكرة الشرف لديه. أي أن الفاعل يقوم بالفعل ليس بالنظر إلى تحقيق الهدف بل القيام بالفعل بما يجب أن يكون أخلاقيا أو من منظور اتمع والمعايير والقيم التي يتصورها بحيث إذا لم يتم الفعل ذا المنطق الذي وضعه اتمع يعتبر الفعل غير عقلاني، فالعقلانية هنا هي خارجية متجسدة من الضمير الجماعي غير أن فعله اختياري وإرادي حسب ماكس فيبر وليس حتميكما هو الحال عند دوركهايم.
1-3 .الفعل التقليدي:
فالفعل التقليدي هو الفعل الذي تقره العادات و المعتقدات ، بحيث يصبح الفعل عملية ميكانيكية، والفاعل الذي يتصرف وفق التقاليد غير محتاج لأن يدرك الهدف و القيمة المتعلقة بفعله، لأنه ينتفي عن أفعاله العامل الإرادي فتصبح هذه التقاليد تحدد أفعاله بصورة مباشرة كأنه عمل فطري لديه، فالفرق بين نموذج الفعل السابق و الفعل التقليدي هو أن في الفعل التقليدي ليس هناك أدنى استعمال للعقل في التعامل مع الموقف و في إختيار الفعل و بالتالي فهو فعل غير عقلاني و غير رشيد لأن الفعل يخضع لقواعد طقوسية و تحتل هذه القواعد الطقوسية في الفعل غير الرشيد نفس المكانة التي تحتلها القواعد التقنية التي تحكم الفعل الرشيد.
1-4 .الفعل الانفعالي:
وهي الأفعال التي تكون تعبيرا عن حالات عاطفية كوا موجهة نحو تحقيق هدف أو غاية، فالصفعة التي تعطيها الأم لابنها لسوء سلوكه، و الضربة التي يوجهها رياضي لزميله لسبب افتقاده السيطرة على نفسه تعني أن فعلا قد وقع أو تحقق ليس بالنظر إلى هدف أو إلى نسق القيم ولكن بواسطة رد الفعل الانفعالي للفاعل الذي كان في ظل ظروف محددة أي أن الفعل يتم في حالات يكون الفاعل تحت سيطرة ضغط انفعالي أو عاطفي وبالتالي يكون هناك غياب للفعل الرشيد المنطلق من العقل الذي يربط بين الغاية والوسيلة فالفعل العاطفي أو الانفعالي هذا كما يقول علي ليله ، أنه ينطلق أساسا بغريزة الكائن الفرد ي، وهي أكثر ارتباطا بالشرائح البيولوجية والسيكولوجية للشخصية، وهو أكثر انتشار في اتمعات ذات الطبيعة البدائية أو ال 226
2-النموذج المثالي للبيروقراطية:
يفترض النموذج البيروقراطي أ ن الاعتبارات الموضوعية و العقلانية غير متوفرة في أداء العمل، مما يجعل الاعتبارات الشخصية هي السائدة ولقد انعكس ذلك على تفسير النموذج البيروقراطي لكيفية السيطرة على السلوك الإنساني داخل المنظمات، حيث يتم ذلك من خلال وجود نظام صارم للقواعد والإجراءات، ولقد عالج عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر النظرية البيروقراطية كنظام عقلاني يتناسب مع اتمع الصناعي في العالم الغربي، حيث اثبت بعض الخصائص الأساسية لهذا النظام وأهم هذه الخصائص أو المبادئ ما يأتي:5
- تقسيم العمل على أساس وظيفي يعتمد على مبدأ التخصص و المقدر.
- التدرج الهرمي حيث تنظم علاقات الوظائف على أساس التدرج الهرمي المسند إلى السلطة الرسمية وذلك انطلاقا من:
- تقسيم المنظمة إلى عدة مستويات هيرارشية (هرمية).
- خضوع المستوى الإداري الأدنى لإشراف وتوجيه المستوى الإداري الأعلى بالإضافة إلى تحديد نطاق سلطة الرؤساء على المرؤوسين وفقا لقواعد محددة وثابتة.
- وجود قواعد وإجراءات رسمية مكتوبة توجه سلوك العاملين والقرارات المختلفة في الوظائف.
- الفصل التام بين ممتلكات المنظمة والممتلكات الخاصة للعاملين فيها.
- اعتماد الوظائف على الجدار والإخبار المهني و١لذرية يكون على أساس الأقدمية والأداء والقدرة. وانطلاقا من هذه الخصائص يعبر ماكس فيبر، أن الولاء هو السبيل الأمثل لتنظيم عملية تحقيق الأهداف التنظيمية بأكفأ الطرق وأنجعها، ووفقا لماكس فيبر فإ تعددة ّن تطبيق هذا النموذج في المنظمات الكبيرة سيحقق فوائد م كالدقة في العمل والوضوح والسرعة وانخفاض التكلفة المادية للعمل ومنه اجتناب العديد من المشاكل الخاصة بالعمل 6
==
كلمات مفتاحية : التنظيم,البيروقراطي,عند,ماكس,فيبر,
1 بوكربوط عز الدين، المتبقين من العمال بعد عملية التقليص من عددهم و فعالية التنظيم في المؤسسة الاقتصادية العمومية، أطروحة دكتوراه دولة،كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة الجزائر، 2007 ،ص132
2 حسين عبد الحميد رشوان، علم اجتماع التنظيم، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، مصر، 2004 ،ص9
3 بوالفلفل إبراهيم، التنظيم البيروقراطي في المؤسسة الحكومية الخدماتية الجزائرية، المؤتمر الدولي للتنمية الإدارية، الرياض، المملكة العربية السعودية، نوفمبر 2009 ،ص4
4 بن عيس محمد المهدي ، ثقافة المؤسسة دراسة ميدانية للمؤسسة الاقتصادية العمومية في الجزائر غرداية "GAZ PIPE "حالة بايب غاز، رسالة دكتوراه، غير منشورة،2005،ص ص 75-79
5 مؤيد سعيد السالم، تنظيم المنظمات، ط1 ،دار عالم الكتاب الحديث، الأردن، 2002 ،ص 73 .
6 محمد سلمان العميان، السلوك التنظيمي في منظمات الأعمال، الطبعة الثالثة، دار وائل للنشر، عمان الأردن، 2005 ،ص 44-45 .
♡ إدعمنا بمشارك المنشور مع المهتمين . شكرا
مرحبا بك في بوابة علم الاجتماع
يسعدنا تلقي تعليقاتكم وسعداء بتواجدكم معنا على البوابة