أخر الاخبار

مفهوم الهابيتوس

معنى الهابيتوس

مفهوم الهابيتوس / Habitus 

الهابيتوس هو: السمت أو العلامة أو التطبع أو السجية أو العقلية التي تُوجه السلوك توجيها عفويا وتلقائيا، وهو مجموع الاستعدادات الفطرية والمكتسبة والمتوارثة التي تعبر عن فاعلية الإنسان، في ظل شرط اجتماعي محدد، إنه مجموع المواصفات التي نتوارثها – بصفة مباشرة – عن طريق التربية، أو بطريقة غير مباشرة عن طريق الاستدماج.

يعد مفهوم الهابيتوس من أهم المفاهيم التي نحتها عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو، وأكثرها إثارة للجدل، منذ أن طرحه لأول مرة في كتابه نظرية الممارسة، ويعبر هذا المفهوم عن مجموعة الميول والتصورات التي يمتلكها الفاعل الاجتماعي، مضافا اليها الاستعدادات والمكتسبات الأولية التي تنتج، ويعاد إنتاجها عن طريق التنشئة الاجتماعية والموروثات الثقافية والتبادلات المستمرة للخيرات الرمزية والمادية. 

إن الهابيتوس نسق من الاستعدادات المكتسبة التي تحدد سلوك الفرد ونظرته إلى نفسه وإلى الكون، وهو أشبه ما يكون بطبع الفرد أو بالعقلية التي تسود في الجماعة؛ لتشكل منطق رؤيتها للكون والعالم. ووفقا لهذا التصور يعد الهابيتوس جوهر الشخصية البنية الذهنية المولدة للسلوك النظر والعمل، وهو – في جوهره – نتاج لعملية استبطان مستمرة ودائمة لشروط الحياة ومعطياتها عبر مختلف مراحل الوجود، بالنسبة للفرد والمجتمع.

الهابيتوس عند بورديو 

يعتبر بورديو أن الهابيتوس (نظام من الاستعدادات في الادراك والتقييم والعمل، يسمح للفرد بالقيام بعمليات على صلة بالمعرفة العلمية ... وبأن يولد استراتيجيات ملائمة ومتجددة على الدوام إذا، يحمل كل منا، في رأي بوريو، بوصلة خفية في وعيه، يهتدي من خلالها إلى إدراك العالم الذي يحيط به وتقييمه واختيار الإجابة الأكثر ملاءمة عما يطرحه علينا من مواقف عملانية. فالهابيتوس هو بمنزلة برنامج إلكتروني جاهز، موجود في رأسنا، يقرأ حوادث الواقع ويقيمها، ويعطينا من حيث لا ندري الموقع الأنسب لمواجهتها. لذلك، يوفر علينا مجهودا ذهنيا قد نبذله كل مرة نتعرض فيها لحادث جديد في حياتنا اليومية والعملية. وهو خلاصة خبرات سابقة اكتسبناها اجتماعيا، علما أن هذا السابق يعني الماضي القريب، لكنه يعني أيضا الماضي البعيد، وحتى الماضي الغابر الذي نسيناه من دون أن ينسانا، حيث بقي محفوظا في جينات وعينا البشري.

من هنا، ان المكون الأول للهابيتوس هو التاريخ الاجتماعي؛ تاريخنا الاجتماعي الذي جعلنا نتآلف مع خشية (نعتبرها فطرية) من الجار، أو مع تآلف أخوي معه  مثلا ( الجار قبل الدار)، أو مع الحذر الفوري من الآخر (الدخيل) الآتي من خارج القبيلة أو الجماعة، في مقابل الانفتاح على الآخر وثقافته، أيا يكن هذا الآخر، في المجال المديني.

يظهر الهابيتوس في التنشئة الاجتماعية التي تشكل شخصينتا الأولى، في أحضان امهاتنا، هي تنشئة ذهنية في المقام الأول، نتلقى خلالها جوهر طرائق التفكير والتصرف والتميز، في سلوكنا: أ يما يسمح القيام به وما لا يسمح؛ ما هو مطابق للأعراف وما هو غير مطابق لها، ما هو غيب أو حرام أو محبذ أو حلال... الخ؛ إذ يعلمنا الهابيتوس العام الذي ننشأ في إطاره مبدأ الاختيار، فيوجه سلوكنا في ضوء برنامجه المعرفي. 
يضيف  بورديو أن المكون الموروث في الهابيتوس يتلازم على الدوام مع مكون آخر هو مسارات الحياة العملية؛ فالحياة اليومية والعملية تدفعنا الى اختبار استعداداتنا المستخلصة من تجارب مجتمعنا ومن تجاربنا نحن السابقة، عبر إعادة انتاجها من جديد، وتثبيتها باعتبارها مرجعا لا يقبل المساءلة أو التعديل، أو أنموذجا أساسيا قابلا للإضافات.

في المفهوم والنظرية 

اشتغل بورديو طويلا على مفهوم الهابيتوس قبل أن يُبلوره بشكله النهائي، مع الإشارة إلى أننا نجده موزعًا في مؤلفاته كلها، من دون أن يحصره أو يخصص له كتابًا منفردًا، فنجده في مؤلف مشترك صدر في سنة 1964 بعنوان الورثة تناول فيه الثقافة الموروثة؛ وفي كتاب آخر صدر في سنة 1966 بعنوان حب الفن تناول فيه مشاركة المتاحف التشكيلية في تشكيل أنظمة الذوق الثقافي عند الناس، ثم تعمّق في المفهوم إلى حد إعطائه بنيانا نظريّا متكاملا في كتاب إعادة الإنتاج الذي صدر في سنة 1970، مفسرًا التناقض البنيوي الكامن في النظام التربوي الفرنسي المبني على أساس تواؤم تام مع النظام الاقتصادي الرأسمالي القائم في البلاد.

بعد ذلك بدا مفهوم الهاييتوس بشكل، عمليا ، مصدرا للإزعاج، إذ تناول على نحو غير مباشر، لا مجرد سياسة مؤسسة رسمية كبرى هي المؤسسة التعليمية الفرنسية (مع كل ما يعني هذا من مساس بقدس أقداس الثقافة الفرنسية الحديثة) التي كانت تعتبر نفسها فوق كل اعتبار، بل إن استخدامه لتفسير الاستراتيجيا الكامنة داخل النظام التربوي الفرنسي ككل جاء بمنزلة ضربة علمية قاضية لشعار ديمقراطية التعليم الذي طالما تغنت به السلطات الفرنسية.

 أمر مماثل كان قد جرى مع الكتاب السابق الذي بين فيه بورديو، بالاعتماد على مفهوم الهابيتوس، زيف شعار ديمقراطية الثقافة انطلاقا من دراسة ميدانية لزوار المتاحف التشكيلية الفرنسية. لكن الأمر لم يثير ضجة كبيرة حينذاك، لكونه اقتصر على مؤسسة صغرى، إذا جاز التعبير، تعنى بإعادة إنتاج الثقافة الفرنسية السائدة. أما مع المؤسسة التعليمية ككل، فالأمر بدا، لاحقا، أخطر كثيرا.

 نشير هنا إلى أن بورديو كان دقيقا وحذرا في بلورة مفهوم الهابيتوس في هذه المؤلفات كلها التي وضعها بالتعاون مع متخصصين وإخصائيين في مجال الثقافة والإحصاء والتربية، لذلك جاء مفهومه متماسكا ومتراص البناء النظري ومسؤولا في ما يقوله.

 تابع عالم الاجتماع الفرنسي تعمقه في هذا المفهوم، منفردا، في كتاب الحس العملي الذي بين فيه عمق ارتباط الهابيتوس بتشكيل الممارسات في الحياة اليومية والعملية في سنة 1980، ثم في كتاب نبالة الدولة الصادر في سنة 1989 الذي تناول فيه آليات تشكل جماعات العلماء في الجامعات والمدارس العليا في فرنسا، ومحافظة هذه الجماعات على حقلها من خلال قيامها بتكريس هاييتوس خاص بمجالها المعرفي.

بيد أن أبرز كتاب ضم خلاصاته المتعلقة بمفهوم الهابيتوس؛ و قدرات هذا المفهوم النظرية في مجال تفسير المسارات التربوية والمهنية والسلوكية والاجتماعية العامة، هو كتاب تفكرات باسكالية الذي صدرت طبعته الأولى في سنة 1997، أي قبل خمس سنوات من تاريخ وفاة الكاتب.

معنى الهابيتوس pdf

المصادر : 

  • فريد معتوق، الهابيتوس العربي العنيد والعتيد، مجلة عمران للدراسات الاجتماعية، عدد 2016. 
  • محمد سبيلا ، نوح الهرموزي، موسوعة المفاهيم الأساسية في العلوم الإنسانية والفلسفة - ص 531
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -