أخر الاخبار

منطق الإلحاد، جون صولر Jean Soler - ترجمة يوسف اسحيردة


  • منطق الإلحاد
  • جون صولرJean Soler 
  • ترجمة يوسف اسحيردة
بالنسبة لأخصائي التاريخ جون صولر، رفض الإيمان بالإله، وخصوصا بذلك الإله الواحد والأوحد، يشكل تصرفا عقلانيا. اختيار واقعي، تبرره الطريقة التي ظهرت بها ديانات التوحيد في التاريخ، وميولها الطبيعي نحو العنف.
   الإلحاد كما أفهمه وأعيشه، لا يعد انتسابا إلى عقيدة ما. يتعلق الأمر بمجرد اقتناع نابع من استحالة الإيمان بمعتقدات المؤمنين، والذين يعتمدون على عدة عقائد، مثل العقيدة اليهودية، العقيدة المسيحية، أو العقيدة الإسلامية. هذه العقائد قامت بتبني الفكرة التي مفادها أنه يوجد إله واحد ولا يمكن أن يوجد إلا إله واحد. الرغبة في جعلنا نجيب بلا أو بنعم على سؤال " هل الإله موجود؟"  يُعتبر حكما مسبقا ذا نزعة مركزية. سؤال كهذا لا يملك معنا واضحا إلا في الدول التي تسيطر فيها الديانات التوحيدية (والتي لا يزيد عمرها عن 2500 سنة). بالنسبة لأي إغريقي قديم، أو أي صيني حديث، هذا السؤال يظل غير مفهوم أصلا. 
فيما يخصني، سأتحاشى قول "لا يوجد إله"، وسأكتفي بقول " لا أؤمن بالإله"، أي ذلك الإله الواحد الذي خلق السماء، والأرض، والإنسان. فكرة "الخالق" تشكل نوع من التجسيم (anthropomorphisme)، أي إسناد الصفات والخصائص البشرية إلى الكائنات الأخرى مثل الآلهة، الطبيعة، الحيوانات...فهي لا تعتبر الكون ككائن ("الطبيعة" كما قال سبينوزا)، ولكن كصنيعة صانع ماهر يملك قدرات فوق بشرية. مع أخد الدور الذي لعبته الصدفة الموضوعية بالاعتبار في مليارات المليارات من التراكيب التي أدت إلى ظهور ما نشاهده الآن، إذا كان الإله، فعلا، قد خلق الكون في الأول، فإنه لم يتمكن من التنبؤ بمصيره. يمكن القول بأن المخلوق قد خرج عن سيطرة الخالق.  
  • متخيل جمعي
   غالبا ما يواجه المؤمنون معارضيهم  بحجة أن العلم لا يملك ما يقوله بخصوص الدين. نحن هنا بصدد مقاربتين متوازيتين في التعامل مع الحقيقة، وكل واحدة منهما تحتفظ بمشروعيتها.  فهم يقولون لنا : " نحن لا يمكننا الاستدلال على وجود الإله، ولكنكم أيضا لا تستطيعون الاستدلال على عدم وجوده، فنحن إذا متساوون". هذا التعليل الذي يريحهم، يبقى، مع ذلك، مغلوطا. فمفهوم "الدليل"، الذي ينتمي إلى مجال العلوم، لا يلائم طبيعة الديانات التي هي، في نهاية المطاف، عبارة عن بناءات ثقافية، تنتقل من جيل إلى جيل. الديانات تنتمي إلى مجال المتخيل الجمعي، والذي يوجد خارج نطاق الخطأ والصواب. لم يسبق لأحدهم أن انخرط في عقيدة دينية ما بمجرد البرهنة عليها.  
ومع ذلك، يظل البحث عن الأدلة - والتي هي مقابل الشكوك ربما- أمرا ضروريا في حالة الديانات السماوية التي تأخذ أحداث خيالية على أنها أحداث تاريخية لا غبار عليها. لكي نظل في حالة موسى، الذي يظل محل تقديس في الديانات الثلاث، من المستحيل، أن يكون قد تلقى من يهوه الألواح الصخرية، حيث نقش عليها الإله، بخط يده، وبواسطة اللغة العبرية، الوصايا العشر، لأن العبرية لم تظهر إلا بعد مضي عدة قرون على العصر الذي عاش فيه موسى.ومن المستحيل أيضا أن يكون موسى قد قاد شعبه لمدة أربعين سنة في الصحراء، لان علماء الآثار لم يعثروا على أي آثريؤكد هذه الإقامة المزعومة. ورغم ذلك، فما هو عجيب وغرائبي، يظل عصيا على الرفض. الحاجة إلى التصديق والإيمان تظل أكثر انتشارا من الحاجة إلى الفهم والرؤية بوضوح.
  • إله ضمن بقية الآلهة
   فيما يتعلق بالملحدين، فقد اختاروا طريق الوضوح والفهم. هكذا حاولت تسليط الضوء، من خلال كتابي " ظروف ظهور الديانات التوحيدية"، على جذور، أسباب ونتائج الإيمان بالإله. المؤمنون بالإله الواحد، الذي يُعتبر بالنسبة لهم هو الإله الحق، يظنون أن السرمدي، بما انه وجد على الدوام، فقد عُرف من طرف الناس على مر العصور ولكن تحت صور تقريبية ومشوهة. فكان لزاما انتظار الوحي الذي سيأتي به موسى، عيسى أو محمد، حتى تعرف البشرية برمتها من هو الإله وماذا يريد من الناس. لكن السرمدي يملك تاريخا...
لقد وُلد في القرن الخامس قبل الميلاد. قبل هذا التاريخ وفي كل مكان، حتى عند العبريين، كان العالم الإلهي يتكون من عدة آلهة، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، شيبا أو شبابا، أشرار أو أخيار.  هذا باعتراف التوراة نفسه، الإله الذي حاور موسى ليس هو الإله، ولكنه مجرد إله ضمن بقية الآلهة واسمه يهوه. هذا الأخير كان قد عقد اتفاقا مع اليهود القدامى بهذه العبارات: " إذا جعلتني فوق بقية الآلهة ، جعلتك فوق بقية الشعوب. ستكون دائما في الأعلى لا في الأسفل ".
هذا النوع من الشرك، حيث أن شعبا معينا يتخذ إلها وطنيا، ولكن دون إنكار حق بقية الآلهة في العبادة، كان شائعا في تلك المنطقة آنذاك. العبرانيون لم يفعلوا شيئا سوى تقليده. أكثر من هذا، فالإله يهوه كانت لديه عشيقة تدعى أشيرة، كما توضح ذلك عدة كتابات تم اكتشفها من طرف علماء الآثار.  

   فكرة الإله الواحد أتت إلى اليهود في وقت كانوا فيه لا يشغلون في الإمبراطورية الفارسية الأخمينية الكبيرة إلا مقاطعة صغيرة عديمة الأهمية. الفرس، هم أيضا كانوا يملكون إلها وطنيا، أهورا مازدا، ويمنحونه نفس القدرات الخارقة التي يمحنها اليهود ليهوه : خلق السماء والأرض، خلق الإنسان ووعد شعبه بالسيطرة على بقية شعوب الأرض.التاريخ أكد هذه العقيدة، في حين كذب عقيدة اليهود. 

لهذا قام هؤلاء، عن طريق انقلاب ثقافي ذكي، من أجل إخراج إلههم وهويتهم ك "شعب يهوه" من طي النسيان، بطرح فرضية ستصبح عقيدة فيما بعد ومفادها: إلهانا ليس أقل شأنا من إله الفرس، يهوه وأهورا مازدا، هما نفس الإله. فلا يوجد سوى إله واحد. هذه الطفرة الدينية ظلت، في البداية، محصورة في الشعب اليهودي. فقد رأى فيها ميزة اختصه بها يهوه لوحده. في عهد المسيح نفسه، الولوج إلى هيكل القدس كان ممنوعا على غير اليهود، وعقابه القتل، كتابات تم اكتشافها تؤكد الأمر. فالمسيحيون الأوائل وبعدهم المسلمون، هم من قاموا بإعطاء اليهودية بعدا كونيا. هذه الديانة الجديدة انتشرت في أوساط شتى وشعوب عدة، بفضل طابعها التبسيطي : كل الآلهة في إله واحد، كل البشر متساوون أمامه.
  •  انشقاق خطير 
  التوحيد قدم لجزء من البشرية منافع لا يمكن انكارها، لكنه يملك جانبا سيئا. فهو يظل الأكثر عرضة للعنف من كل باقي الديانات.  بكل اختصار، إذا كنا نعتقد بأننا نمتلك الحقيقة حول الإله الحق، الوحيد الذي يوجد، سنكون أكثر ميلا لتصحيح أخطاء الآخرين، سواء عن طريق الإقناع، أو عن طريق الإكراه. الآخرون، يمكن أن يكونوا شعوبا أخرى، كما يكمن أن يكونوا معتنقين آخرين لفكرة الإله الأوحد. بالنسبة لكل واحدة من الديانات التوحيدية الثلاث، الديانتان المتبقيتان يشكلان تجديفا وخروجا عن الطريق القويم. لا يمكن أن توجد إلا عبادة واحدة صحيحة للإله الصحيح. وأيضا،  داخل كل واحدة من هذه الصيغ الثلاثة للتوحيد، يجب محاربة المنشقين. وجودهم يشكل خطرا داخليا على تمساك العقائد الرسمية.
هكذا نصل إلى القتل حبا في الإله. في صالح البشرية. المذابح التي تهز، اليوم، العديد من الدول، وتصل لغاية مدننا، هي ليست نتيجة للإرهاب. الإرهاب سلاح يمكن أن يستخدم لأهداف مختلفة، فهو ليس أيديولوجية. واحد من الأسباب الأساسية، السبب الأصلي لكل هذه الأنهار من الدماء، هو الإيمان الأعمى بإله وحيد، أخذت عبادته أشكال متنافسة ومتخاصمة.     
    Décembre 2017- Janvier 2018,  Vivre Sans Dieu  Le point, Référence,

  • إخلاء المسؤولية
  • الآراء الواردة في هذا المنشور لا تمثل بالضرورة وجهة نظر موقع بوابة علم الاجتماع أو قراراته أو سياساته.
  • الآراء والحجج الواردة في هذا المنشرو هي آراء وحجج المؤلف ولا تعبر بالضرورة عن وجهات نظر موقع بوابة علم الاجتماع.

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -